تفسير قوله تعالى: (إنه من يأت ربه مجرماً وذلك جزاء من تزكى)

قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه:74]، هذه يمكن أن تكون من كلام السحرة المؤمنين، ويمكن أن تكون تذييلاً من كلام الله جل وعلا، فهي تحتمل الأمرين، قوله: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه:74]، أي: كافراً {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:74]، وهذا أحد أنواع عذاب جهنم أن الإنسان فيها لا ينتهي، وفي نفس الوقت لا يبقى حياً حياة منعمة.

والأمر الثاني: ذكره الله في سورة أخرى أنهم قالوا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:21]، متى ينفع الصبر؟ إذا كان يعينك على تجاوز الأذى، لكن إذا كان الصبر لا ينفع فإنه يصبح في ذاته عذاباً، وهذا -والعياذ بالله- حال أهل النار.

قال الله جل وعلا: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:74]، وكما في سياق القرآن في أكثر من موضع إذا ذكر الله أهل النار يذكر أهل الجنة، وإذا ذكر أهل الجنة غالباً يذكر أهل النار.

وقوله: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:74]، هذه نحوياً جملة شرطية بدأت بـ (من) وهي اسم شرط، ولذلك (يأت) حذفت ياؤها؛ لأنها فعل شرط مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وقوله سبحانه: {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ} [طه:74]، الفاء واقعة في جواب الشرط، وسوغ أن يبتدئ جواب الشرط بالفاء أن جواب الشرط جملة اسمية.

قال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى} [طه:75]، قوله: (ومن يأته مؤمناً) أي: حال كونه مؤمناً {قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى} [طه:75]، الجنة والنار كلاهما يقال في حق أهلها: درجات، لكن تنفرد النار بأن يقال في حقها: دركات، فيقال: لأهل النار درجات؛ نص عليه القرآن في سورة الأنعام، لكن لا يقال لأهل الجنة: دركات، بل هذا الاسم وقف على أهل النار.

قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه:76]، وقد مر معنا معنى التزكية بالتفصيل في قول الله جل وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015