تفسير قوله تعالى: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً)

قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة:58 - 59].

التاريخ مهم جداً في تفسير القرآن، مر معنا كثيراً أن بني إسرائيل لم يدخلوا الأرض المقدسة في عهد موسى، ودخلوها في عهد يوشع بن نون بعد موت نبي الله هارون ثم بعد موت نبي الله موسى.

وعندما تفسر توجد أمور متفق عليها، فلا يأتي عاقل يزحزح المتفق عليه ليقيم مقامه شيئاً مختلفاً فيه، هذا ليس بعلم، فمن المتفق عليه بين المفسرين وأهل السير أنهم لم يدخلوا الأرض المقدسة في عهد موسى، مع اختلافهم في القرية هنا، هل هي أريحا أو هي بيت المقدس، وليس هناك كبير فائدة في العلم بأي قرية هي منهما، لكن

Q كيف ذكر هنا دخولهم القرية وأنت تقول: إنهم لم يدخلوها إلا في عهد يوشع بن نون؟!

صلى الله عليه وسلم هؤلاء الذين أمروا أن يدخلوا القرية لم يكن معهم موسى، وإنما بعثوا من قبل موسى أشبه بالعيون -الجواسيس- حتى يكتشفوا الأمر قبل أن يبدأ موسى بالجهاد معهم، فهؤلاء الذين بعثهم موسى كأنهم شعروا أن فيهم شيئاً من المزية، وقد أمرهم الله أن يقولوا قبل دخول تلك القرية سواءً كانت أريحا أو بيت المقدس: مسألتنا وطلبنا ورغبتنا حطة، بمعنى: أن تحط عنا ذنوبنا يعني: غاية أمرنا منك يا ربنا المغفرة، فإظهاركم التذلل عند دخول الأرض المقدسة وأن تجئروا إلى الله أن يمحوا ذنوبكم سينجم عنه ما تنفعون به قومكم إذا عدتم إليهم، لكن أولئك القوم عندما ذهبوا بدلوا قول الله فغيروا في اللفظ؛ لأنهم كانوا يستخفون به ولم يروه ذا بال، وهذا -والعياذ بالله- ظن من المرء أن ما عنده حصل عليه بجهده وعلمه، ولو كان الإنسان عبداً حقيقياً فإنه يسلم لله أمره، وقد مر أن النبي لما علم ذلك الصحابي دعاء النوم فقال الصحابي والرسول يعلمه: (اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت, ونبيك الذي أرسلت) والصحابي قال: (ورسولك الذي أرسلت) فأعادها النبي وقال: (لا، قل: ونبيك الذي أرسلت) مع أنه لا يكون رسول حتى يكون نبياً، لكن المراد: أن بعض الألفاظ مقصودة لذاتها، إما تعبداً أو لحكمة خفية، فلا يجوز لأحد أن يقدم رأيه بين يدي الله ورسوله، فالمطلوب منهم كان أن يقولوا: غفران الذنوب مسألتنا، احمل عنا هذا الذي على كاهلنا، لكنهم غيروا في اللفظ، ودخلوا على غير ما أمرهم الله أن يدخلوا عليها، قال الله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة:59] الفسق هو خروج عن الطاعة، وتبديلهم اللفظ نوع من الفسق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015