قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة:54] أي: واذكروا إذ قال موسى لقومه: {يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} [البقرة:54] لم يأت معنا كلمة إله، لكن وضحت هذه الآية معنى (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) أي إلهاً.
{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [البقرة:54] هنا أمرهم الله جل وعلا بقتل أنفسهم، والعلماء يقولون: أمر أن يقتل كل منهم أخاه، ويحتجون بآية: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور:12] وتعبير النفس هنا: على الشخص الآخر، والذي يبدو لي أن المعنى أن كل إنسان أمر بقتل نفسه، {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة:54 - 55] وكل هذه الأحداث التي ذكرها الله في كتابه كانت وبنو إسرائيل في أرض التيه بعد نجاتهم من فرعون، فمتى طلبوا أن يروا الله جهراً؟ لما عبدوا العجل وذهب سبعون منهم مع موسى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف:155]، هؤلاء الذين ذهبوا مع موسى طلبوا من موسى أن يرو الله جهرة، وقال موسى كما في آية الأعراف: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ} [الأعراف:155] والمقصود: على تجرئهم على المعاصي، والله قال لنبيه: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:153]، والتعداد هنا لما حصل منهم، ولنعم الله جل وعلا عليهم.
ثم قال الله جل وعلا: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:56] وهذا بعث حقيقي بعد موت حقيقي، قال الشنقيطي: ولا يجوز صرف القرآن عن ظاهره إلا بدليل.
ثم قال جل وعلا: ((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) [البقرة:57] هذا كله مر معنا في سورة طه.