استفتح العلي الكبير سورة طه بقوله: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2]، ومن أكثر أحرف القرآن المتقطعة في أوائل المصحف إشكالاً هذان الحرفان (طه)؛ ذلك أن العلماء من حيث الجملة انقسموا إلى قسمين في فهم هذا الأمر: فمنهم من قال: إن (طه) هي من جنس الحروف المتقطعة، ومما يعينهم على هذا الفهم أن الحرفين (الطاء والهاء) من نفس الأحرف التي جاء بها افتتاح بعض سور القرآن، قال تعالى: {طسم} [الشعراء:1]، وقال تعالى: {كهيعص} [مريم:1]، فالهاء والطاء وجدتا من قبل في فواتح سور القرآن، فهذا منحى، وهذا المنحى يجري عليه أحكام رأينا في مسألة فواتح القرآن -أي: الأحرف المتقطعة- وقد فصلنا فيه في تفسير سورة (ن).
وقال بعض العلماء: إن (طه) ليست من الأحرف المتقطعة، وقد اختلف أصحاب هذا القول فيما بينهم: ما المقصود بكلمة طه؟ فقال بعضهم: إنها فعل أمر بمعنى: ضع، وهي مأخوذة من وطئ، وهؤلاء يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام الليل يقوم على قدم ويرفع أخرى، فجاء القرآن تسلية وتعزية له.
وقال فريق آخر من العلماء: إن (طه) كلمة معناها: يا رجل! طه بمعنى: رجل، وحرف النداء محذوف والمعنى: يا رجل! وقال آخرون: إنها اسم للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد كنت إلى عام أو عامين تقريباً أذهب إلى أنها من الحروف المتقطعة، لكن الذي يبدو أن القول بأنها اسم للنبي صلى الله عليه وسلم أقوى، ووجه القوة مأخوذ من تدبر القرآن -ولولا آية الشورى لجزمت لكن آية الشورى أوقفتني- وهذه طريقة في فهم القرآن، فالله تعالى يقول: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة:1 - 2]، ويقول: {الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:1 - 2]، ويقول: {طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الشعراء:1 - 2]، إلى غير ذلك من آيات القرآن، فلم يرد بعد الحروف المتقطعة خطاب مباشر للنبي صلى الله عليه وسلم اللهم إلا في سورة الشورى، قال تعالى: {حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الشورى:1 - 3]، وهذه هي التي أوقفتني، وإلا فسائر سور القرآن المبدوءة بأحرف متقطعة لا يأتي بعدها مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ففي سورة طه ما يشعر أن طه اسم له عليه الصلاة والسلام؛ إذ الله تعالى يقول مخاطباً له: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2].
أما قول من قال من العلماء: إن معناه: يا رجل، فقد ورد في شعر العرب -كما في شعر أبي تمام وغيره- أن طه بمعنى: رجل، لكننا نستبعدها؛ لأنه ليس لها نظائر، ومعنى ليس لها نظائر: أنه إذا اتفقت الأمة على أن الله جل وعلا إكراماً لنبيه لم يخاطبه باسمه فلم يقل له في القرآن: يا محمد، فكيف يعقل أن يناديه: يا رجل؟! فهذا بعيد، فكل ما ورد في القرآن: يا أيها النبي! يا أيها الرسول! فلا يمكن أن ينتقل من هذه الفوقية حتى ينادى: يا رجل! فهذا بعيد وإن كانت اللغة تحتمله.
لكن نقول: إن القول أن طه اسم للنبي صلى الله عليه وسلم غير بعيد، وهذا ما نميل إليه ميلاً كبيراً، وهذا مستخدم حتى في الشعر العربي.
وذهب بعض مشايخنا إلى أن طه من الحروف المتقطعة، لكن لا ينكر على من ذهب إلى أن طه اسم للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر معنا -فيما يبدو لي- أن سماحة الوالد الشيخ ابن باز والشيخ العلامة ابن عثيمين رحمة الله تعالى عليهما أنشد بين يديهما قصيدة للتويجري كان مطلعها: دمع المصلين في المحراب ينهمر وفيها: إذا تطاول بالأهرام منهزم فإن أهرامنا سلمان أو عمر أهرامنا شاد طه دعائمها وحي من الله لا طين ولا حجر فكبر الشيخان عندما سمعا هذين البيتين، ولم ينكرا كلمة (طه)، مع أن الشيخ عبد العزيز رحمه الله كان يرى أن (طه) ليست اسماً للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن الآية كما قلنا قابلة للأخذ والعطاء وليست مجال إنكار, والبيتان اللذان ذكرناهما من جميل الشعر الإسلامي المعاصر.
نعود ونقول: إننا نختار أن طه اسم للنبي صلى الله عليه وسلم.