تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يبغون عنها حولاً)

ثم قال الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف:107 - 108].

أعلق الحديث عنها، فلنا رأي في الفردوس إلى الآن لم يكتمل، لكن على ما قال المفسرون الآية ظاهرة، وهي أن الإيمان والعمل الصالح سبب في دخول جنات الفردوس، والفردوس جاء في الآية مطلقاً وفي الحديث جاء مقيداً ففي بعض الروايات أن الفردوس الأعلى من الجنة، والفردوس الأعلى من الجنة وهي وسط الجنة وأعلاها فيها في وقت واحد وأظن إني شرحته قبل بمعنى أنه كالقبة فالقبة تأتي في الوسط وهي في نفس الوقت أعلى مكان في السقف.

{خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا} [الكهف:108] أي: عن جنات الفردوس، {حِوَلًا} [الكهف:108] وهذا تكلمنا عنه كثيراً لكنني أقول: ما زلت متوقفاً في معنى الآية، من أسباب التوقف أن الله لم يقل: خالدين فيها أبداً قال: {خَالِدِينَ فِيهَا} [الكهف:108]، وتأتي في جهنم كذلك من أسباب التوقف أن الله قال في آخر البينة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [البينة:6] ولم يقل: أبداً، {أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6]، وقال بعدها: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [البينة:7 - 8] ما عبر بالفردوس هنا وإنما عبر بالجنات، فإذا عبر بالجنات يقول: أبداً، وإذا عبر بالفردوس يقول: خالدين فيها، وإذا عبر بالنار يقول: خالدين فيها أبداً، وإذا عبر بجهنم لا يقول: خالدين فيها أبداً، قال الله مثلاً: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93] ولم يقل: أبداً، {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93] وبالعقل: هو الآن يقول: في جهنم، ثم يقول: {وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93] أي: غير جهنم، لكن كما قلت: النظرية لم تكتمل بعد، وهذه إشكالات نسأل الله التوفيق في حلها.

نقول: وصفهم الله -أي: أهل الجنة- بأنهم {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف:108] أي: لا يريدون عنها خروجاً وهذا من حقهم بلا شك جعلنا الله وإياكم من أهلها، فالجنة أعلى المنازل وأرفع الدرجات وأعز الأماني لبنة من ذهب ولبنة من فضة حصباؤها اللؤلؤ والياقوت، من يدخلها ينعم فلا يبأس، ويخلد فلا يموت، لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم، جعلنا الله وإياكم من أهلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015