تفسير قوله تعالى: (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة)

ثم قال جل ذكره: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف:47].

أي: واذكر يوماً تسير فيه الجبال، {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف:47]، ولن نطنب في الحديث عن الجبال؛ لأنه سيأتي لها شيء مخصوص، ومن منهجنا بالتفسير أن ما ذكر في الآيات عرضاً لا نتوقف عنده، وما ذكر أصلاً نقف عنده، وسيأتي ذكر الجبال كأصل في صورة طه عند قول الله جل وعلا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} [طه:105]، ولكن المقصود هنا: ذكر أهوال اليوم الآخر.

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [الكهف:47]، دل عليه قول الله: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:3].

{وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف:47]، الأرض الآن موجودة، سواء هي أرض المحشر أو غير أرض المحشر، وبارزة بمعنى: ظاهرة، وأنت تقرأ بالتاريخ، وتعي بعقلك أنه عندما يحتدم الجيشان ويلتقيان لا يميز فارس عن فارس، فمعنى المبارزة: أن يخرج واحد من هذا الجند مثلاً في الشق الأيمن ويخرج واحد من الجند فيصبح ظاهراً بيناً؛ لأنه خرج عن جملة الجيش الأول، ويخرج آخر عن الجيش الثاني فيصبح بارزاً ظاهراً عن الجيش الثاني، ولقاءهما يسمى مبارزة، وكانت هذه طريقة في الحروب، كما هي مقدمة معركة بدر.

معنى: {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً}، فالأرض في الدنيا مغطاة بما عليها من بنيان، وبما عليها من جبال، وبما عليها من زرع، فقل ما ترى الأرض على حقيقتها إلا الصحراء غير المثمرة التي عليها نبت، وإلا الأرض أذهبت معالمها ما عليها مما أفاءه الله على بني آدم، لكن يوم القيامة يقول ربنا: {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف:47] فلا يوجد على الأرض أي معلم، ولهذا جاء في الحديث: (وليس فيها معلم لأحد)، لا يوجد علامة نتواعد ونتفق على أن نلتقي عندها، وهذا معنى قول الله: ((وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً)).

ثم قال ربنا: ((وَحَشَرْنَاهُمْ))، أي: جمعناهم: ((فَلَمْ نُغَادِرْ))، أي: لم نترك، ويقال لفلان: غادر؛ لأنه ترك الأمانة، ولم يغادر منهم أحداً قطعاً فكل مخلوق سيحشر في عرصات يوم القيامة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015