ذلك الكتاب لا ريب فيه)
نشرع الآن مستعينين بالعلي الكبير في بيان تفسيرها: قال ربنا وهو أصدق القائلين: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1 - 2].
الأحرف المتقطعة مرت معنا من قبل، وحررنا القول فيها في دروس سابقة، في تفسير قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1].
قال الله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] المقصود بالكتاب هنا: القرآن، أي: وهذا القرآن، وإنما جيء بلام البعد: (ذلك) للتفخيم والتعظيم.
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) في الوقوف على ريب وما بعدها وجهان: أن يقال: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ) ثم نقرأ: (فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) أو نقول: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ) ثم نقرأ: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) أو نصل ولا نقف، والوقف على: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ) جائز لكن الأفضل عدم فعله؛ لأنه يحصر ما بعده، وتصبح: (فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) والأصل: أنه جميعه هدى للمتقين، فلو قلنا: (فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) قد يفهم منها أنه هدى في بعضه لا كله، لكن عندما نقول: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ) تصبح (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) شاملة للقرآن كله، وهذا أمر يجب تحريره.
والريب هو: الشك، وهذا خبر أريد به الإنشاء، والمعنى: ذلك الكتاب أيها المؤمنون هو هذا القرآن فلا ترتابوا فيه، فهو خبر أريد به الإنشاء الطلبي.
(هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) من الناحية اللغوية النحوية: هدىً منونة بمعنى أنها منصرفة، وهدى إذا كانت مصدراً أريد بها البيان والإرشاد كما في هذه الآية فتنصرف تنون: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، وأما إذا أطلقت علماً على أنثى وسميت بها امرأة فلا تنصرف للعلمية والتأنيث.
فلو أن لك أختاً اسمها هدى تقول: قابلت هدى رأيت هدى جاءت هدى، من غير تنوين، لكنها إذا استعلمت استعمال المصدر تنون، وهذا ينبغي التنبه له من الناحية النحوية.
أما المقصود منها في القرآن: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) فالمتقون: اسم فاعل من اتقى، وقد ذكرت فيها تعريفات عديدة مرت معنا، من أشهرها: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
خل الذنوب كبيرها وصغيرها فهو التقى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى القرآن هدىً وإرشاد وبيان، هذا أمر لا نزاع فيه؛ لأنه من عند الله، فمن أنزل القرآن هو الذي خلق العباد وهو أدرى بمصالحهم ومنافعهم جل جلاله.