قال الله جل وعلا: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الأنعام:143] وقد بينا مسألة الزوج {مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:143] الضأن الذكر منه يسمى كبشاً، والأنثى منه تسمى نعجة؛ فالنعجة يقول عنها بعض من له علاقة بمثل هذه العلوم: إنها من أكرم الحيوانات على الله؛ لدليل عقلي، وهو أن الله ستر عورتها، وقد ورد في شعر العرب إطلاق النعجة على المرأة، وهذا لم يرد إلا في بيت أو بيتين، ولم يكن شائعاً على الصحيح، وهذا ما تمسك به من يقول: إن آية ص: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص:23]، المراد بالنعجة فيها المرأة، وهذا عندي بعيد، والأصل إجراء القرآن على ظاهره، لا أن يحمل على بيت قيل في الجاهلية، فهذا لا يتفق مع سنن فهم القرآن.
وأما الكبش فيطلق أحياناً على السيد والرئيس، يقول عمرو بن معدي كرب: نازلت كبشهم ولم أر من نزال الكبش بدا هم ينذرون دمي وأنذر إن لقيت بأن أشدا كم من أخ لي صالح بوأته بيدي لحدا ما إن جزعت ولا هلعت ولا يرد بكاي زندا وموضوع الشاهد قوله: (نازلت كبشهم) أي: سيدهم وفارسهم والقائم على أمرهم، فيطلق على السيد والرئيس.
والكبش هو ما فدى الله به؟ إسماعيل على القول الشائع بأن إسماعيل هو الذبيح، والله جل وعلا يقول: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107]، وهنا جاء خلاف بين العلماء في قضية أي الأضاحي أفضل، هل الكبش أم الإبل أم البقر؟ فمذهب مالك أنه الكبش؛ لأن الله اختار أن يفدي به إسماعيل، وهذا قول قوي، ويدل عليه من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث في المدينة يضحي عشر سنين فلم يضح إلا بالكبش من الضأن.
فهذا الكلام كله عن الضأن ذكر وأنثى.
ومن المعز التيس، وهو الذكر، والعنز هي الأنثى منه، وقد جاء ذكر العنز في حديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أعرابي فأكرمه، أي أن الأعرابي أكرم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سفر، فقال عليه الصلاة والسلام للأعرابي وهو يعلم الأمة كيفية رد صنع المعروف: (ائتنا)، يعني: إن جاءتك فرصة لأن تأتي المدينة فتعال حتى نكرمك، فقدر للأعرابي أن يدخل المدينة، فاحتفى به صلى الله عليه وسلم وقال: (سلني حاجتك؟)، وثقافة الأعرابي محدودة، والعلم والإيمان عنده لم يكن بذاك؛ لبعده عن موطن العلم، فقال: أسألك أعنزاً يحلبها أهلي.
فقال صلى الله عليه وسلم: (عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟! فقالوا: يا رسول الله! وما عجوز بني إسرائيل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن موسى لما أراد أن يخرج ببني إسرائيل من أرض مصر قال له علماؤها: إن يوسف أخذ علينا العهد والميثاق أن إذا خرجنا أن نخرجه معنا، فقال: ومن يدلني على قبر يوسف؟ قالوا: لا يعرفه إلا عجوز في بني إسرائيل.
فأتى موسى عليه السلام إلى تلك العجوز فقالت: لا أدلك حتى تؤتيني سؤلي؟ فقال: وما سؤالك؟ قالت: أن أكون مرافقتك في الجنة).
فضرب النبي عليه الصلاة والسلام هذه القصة لبيان أن الإنسان يجب عليه أن ترتفع همته كما ارتفعت همة عجوز بني إسرائيل، وهذا الأعرابي لقلة علمه لم يكن يطلب إلا أعنزاً يحلبها أهله.
قال الله تعالى: {مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام:143]، والله لم يحرم الذكر من الضأن ولا الذكر من المعز، ولا الأنثى من الضأن ولا الأنثى من المعز، {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ} [الأنعام:143]، وليس في الرحم إلا ذكر أو أنثى {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام:143] هذا بينا أن هذا دليل نقلي ممتنع عندهم، وهو أنه لم يكن لديهم نبي يأخذون عنه علماً.