ثم ذكر الله اقتراحاً ذكره أهل الكفر فقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ} [الأنعام:8].
فمن الاقتراحات التي اقترحها مشركوا قريش أن ينزل الله جل وعلا ملكاً على نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولهم اقتراح آخر، وهو أن يكون الرسول نفسه ملكاً.
و (لولا) تأتي للحض، فهم يظنون بجهلهم أن هذا أمر معجز، أي: يعجز الله عن أن يبعث ملكاً، ولذلك طلبوا هذه الآية على سبيل التعجيز.
والعاقل لا يقبل أن يقع في الفخ الذي نصبه له عدوه، كما أن العاقل لا يسلم نفسه إلى عدوه أيا كان ذلك العدو، فالنبي صلى الله عليه وسلم دخل على حمزة وهو ثمل قبل أن تحرم الخمر يعاتبه على أن نحر ناقتي علي رضي الله عنه، فدخل علي وزيد مع النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة وهو في نفر من الأنصار سكارى.
فلما عاتب النبي صلى الله عليه وسلم حمزة قال حمزة للنبي صلى الله عليه وسلم وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟! ففهم عليه الصلاة السلام من العبارة أن حمزة ثمل، فرجع القهقراء حتى لا يغتر حمزة، فإذا رأى أظهرهم فقد يصيبه نوع من الإثارة فيؤذيهم، فخرج صلى الله عليه وسلم ووجهه إلى حمزة حتى خرج من الدار.
والمقصود أن الإنسان يحتاط لنفسه ولا يسلم نفسه لغيره من أعدائه، مع الفارق بين حمزة رضي الله عنه وغيره.
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده في هذا الدرس المبارك حول سورة الأنعام، وفي الدرس القادم -إن شاء الله- سنعرج على كيفية رد الله جل وعلا في آياته المباركات على اقتراح القرشيين أن ينزل مع النبي صلى الله عليه وسلم ملك.
وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.