{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة:206] قرنت كلمة العزة هنا بكلمة الإثم، وهذا يسمى في عرف البلاغيين الاحتراس، فليست العزة على إطلاقها مذمومة، فهناك عزة محمودة، قال الله جل وعلا: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]، فالعزة المحمودة هي العزة التي ينالها المرء بالدين وباعتصامه بربه، والعزة المذمومة التي تكون مصحوبة بالإثم، فلهذا جعلها الله جل وعلا مصحوبة بالإثم هنا حتى يكون هناك احتراس من أنه ليس كل عزة مذمومة، {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ} [البقرة:206] أي: هذا الذي يبطن ما لا يظهر، ويظهر ما لا يبطن، {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ} [البقرة:206] والعزة هنا بمعنى: حمية الجاهلية، {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206].
وهنا ينبغي للمرء أن تتواضع نفسه، ويطمئن قلبه، وتستكين جوارحه إذا قيل له: اتق الله، ولهذا قيل: إن من أبغض الخلق إلى الله رجل يقال له: اتق الله، فيقول: عليك نفسك، ولا ينبغي لأحد أن يستكبر عن هذه الكلمة، وقد قيل: إن الخليفة العباسي هارون الرشيد وقف أحد اليهود عند بابه يريد أن يرفع مظلمة إليه عاماً ويرده الحجاب، وهارون لا يدري، فرصد هذا اليهودي لـ هارون في بعض طرقه، فلما قابله على عنفوان هارون المعروف، قال له: يا أمير المؤمنين اتق الله، فنزل هارون من فرسه وأرخى نفسه، أي: تطامن وتواضع وأخذ يسمع لليهودي، فلما فرغ من هذا قيل له: ما هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: إنني خفت أن أدخل فيمن قال الله فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206].
(حسبه جهنم) أي: تكفيه جهنم، {وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206] هذا عند العرب أسلوب ذم، فبئس للذم، ويقابلها في المدح نعم، {وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206]، فهذه طائفة من الناس.