ينبغي علينا أن نصرف قدراً عظيماً من الجهد إلى توجيه الآباء إلى الأساليب العلمية الصحيحة لتربية أولادهم في شتى مراحل نموهم، فالمؤلم والمؤسف أن أغلب الآباء لا يدركون أن تربية الأولاد علم وفن، وكثير من الناس لم يخطر بباله قط أن هذا علم وفن له أصوله وله قواعده، وأي خطأ فيه يكون ثمنه باهضاً.
فعلى الموجهين وعلى الآباء والمدرسين أن ينتبهوا إلى خطورة هذا الأمر؛ كي يشب الأولاد أصحاء نفسياً، وإلا فما أفدح الخسائر التي تتكبدها الأمة إذا أهملت تربية أبنائها! ونحن اليوم في أتون الحرب العميقة العلمية المدروسة، فنرى الأساليب الحديثة تسخر كلها في طعن الأمة في أبنائها، وفي مستقبلها، لإخراج أجيال ملحدة، لا تعرف الله، ولا تحب الله، ولا تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تذوب حباً للأجانب، وتعظيماً للكفار، وبغضاً للإسلام وجهلاً بأحكامه، وتاريخه، وتعاليمه، فالكفار قد بدءوا بتخريب القلاع الإسلامية منذ الوقت الباكر جداً؛ كي يختصروا الطريق، ولا شك أن أول قلعة يتحصن بها الطفل باتفاق المربين هي الأسرة، فالأسرة هي أقوى مؤسسة تربوية على الإطلاق، وهي أكبر مؤسسة تربوية، وفي مقدمة الأسرة يتصدر الوالدان، وبالذات الأب.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عود الشر، وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وصيانته بأن يؤدبه، ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق.
وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.
فجهل الآباء يخرج أولاداً فاسدين، ومنحرفين، ويحرم الأمة من خيرهم.
ونحن المسلمين صلتنا بموضوع تربية الأولاد عريقة وعميقة، وليس علماً حديثاً أو ناشئاً، وإنما بدأ مع بداية الدعوة الإسلامية، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى أنزل في كتابه آية تتلى في المحاريب إلى آخر الزمن، وهي متعلقة بالمحافظة على الأولاد، وهي قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] يقول أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه في تفسيرها: (علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم).
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) يعني: مما سيسأل عنه الإنسان يوم القيامة أهل بيته، ولده وزوجته وأهل بيته، ولا ترقى أي نظرية تربوية في العالم إلى هذا المستوى الراقي من أن الإعداد للجواب عن هذا السؤال بين يدي الله سبحانه وتعالى داخل من صلب عقيدتنا، ومن صلب الحقائق الغيبية التي نؤمن بها.
وعن معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة).
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).
وما أحسن ما قال بعضهم: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه وما دان الفتى بحجىً ولكن يعلمه التدين أقربوه يعني: لا بد من توجيه ولا بد من تعويد وتربية على التدين، ورحم الله من قال: قد ينفع الأدب الأولاد في صغرٍ وليس ينفعهم من بعده أدب إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولن تلين إذا قومتها الخشب قال ابن خلدون: التعليم في الصغر أشد رسوخاً، وهو أصل لما بعده.
إذاً: الاهتمام بتربية الأولاد يبدأ مبكراً جداً، وهو أشد رسوخاً، ويعتبر الأساس لما بعده؛ لأنه يشكل شخصيته الباكرة التي ينتهي نموها في مرحلة معينة كما ينتهي نموه الجسدي، وعند دخول سن العشرين يكون قد اكتملت شخصيته، وفرغ من نموه النفسي.
ويتأكد الاهتمام بهذه التربية في زماننا هذا الذي تتناوش فيه أطفالنا وأبناءنا الفتن من كل صوب، يذكي لهيبها دعاة على أبواب جهنم، دعاه من جلدتنا، ويتكلمون بألستنا، وكل همهم أن يخرجوا من أصلابنا أجيالاً من الملاحدة الذين يرضون بالعلمانية رباً وديناً ومنهاج حياة، فإن لم يتدارك الآباء أبناءهم بالتربية الإسلامية القوية اجترفتهم العلمانية الملحدة، وضمتهم إلى صفوفها ليحاربوا الله ورسوله والمؤمنين، فإن أكثر من يحارب الإسلام الآن ويطعن في قلبه هم هؤلاء المنافقون الذين يحملون أسماء المسلمين، ينادون أحمد ومحمد وعبد الله وما لهم من الإسلام إلا الأسماء، أما الحقيقة فهم ذئاب تحت هذه الأسماء التي يتسترون تحتها، ويطعنون الإسلام ويحاربون المسلمين، ويريدون استئصال دين الله أشد مما يفعل اليهود والنصارى وسائر الكفرة الصريحون، ولا شك أن هذا واقع قد لمسناه في البلاد التي سبقت إلى اعتناق هذا المذهب اللاديني المخرب الذي هو العلمانية، يقول الشاعر: ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد فالأبناء يتعرضون للفتن من كل حدب، ومن كل صوب من مناهج التعليم من الإعلام من رفقة السوء مما يرون في الشوارع من الفساد الذي ذاع وشاع وطم وملأ السهل والوادي والجبل وما ترك شبراً من الأرض إلا عمه واخترقه، فإذا كنت صاحب غنم، وعلمت أن هذه الأرض كثيرة السباع، ثم نمت عنها، فسوف ينوب عنك في رعاية هذه الغنم الأُسد، وإذا كانت الأسد أو السباع أو الذئاب ترعى الغنم فماذا نتوقع؟ هل تبقي منها على شيء؟! فإذا لم يكن الأب متيقظاً حذراً حارساً لأبنائه من هذه الفتن، دارساً القواعد العلمية والأساليب العلمية التربوية الصحيحة في التعامل مع هذه الفتن لانجاء وإنقاذ أبنائه؛ ضاع منه أولاده.