اشتد حرص الإسلام على هذه المهمة الجسيمة، ونحن حينما نتكلم عن تعظيم الإسلام لهذا الموضوع لن نأتي بكلام من خارجٍ، إنما من صلب القرآن والسنة، ومن صلب سيرة السلف، فنحن في الحقيقة لسنا متخلفين عن الغرب بحضارته المادية، بل نحن في الحقيقة متخلفون عن الإسلام، فتخلفنا ليس عن الكفار في أمور الدنيا وزينتها، بل نحن متخلفون عن الإسلام، ونريد أن نرتقي إلى مستوى هذا الإسلام في كل أحوالنا حتى في الآداب الشرعية، فما أكثر السلوكيات الخاطئة التي تصدر من بعض الناس، وبعضهم يكون ملتزماً بدينه لكنه لم يتفقه فيه، سواء في آداب الاستئذان أو في حفظ الأمانات أو غير ذلك.
وهذا الخلل ليس مصدره الالتزام بالدين قطعاً، إنما مصدره التخلف عن الإسلام، والتخلي عن آدابه، فهذه المعاني التي يطرب لها الغرب الآن فيما يزعمونه من الحقوق والدعوة إلى التربية ومنهاج التربية الصحيحة في زعمهم، كانت هي بالنسبة للمسلمين حديثاً مكرراً مر عليه قرون وقرون وقرون والأمة تتنادى بهذا الأمر، وتؤديه على أكمل وجه، إلى أن تخلينا عن الإسلام، فخرجت هذه الأجيال التي يخشى منها على الإسلام أكثر مما يخشى من اليهود والنصارى، فهذا دكتور في الأزهر يؤلف طاعناً في القرآن، ويؤلف طاعناً في الأنبياء، وشاتماً للأنبياء، وطاعناً في شريعة الله سبحانه وتعالى! ويجد من إخوانه الملاحدة من يدافع عنه ويحميه، ويجعله أستاذاً ومفكراً، هذا المفكر يحمل اسماً من أسماء المسلمين، ونحن ما تعرفنا عليه إلا في صفحة الحوادث، وصفحة المجرمين، وفي القضايا والنيابة وعند القبض عليه وغير ذلك، ومع ذلك يجعل من الأدباء الذين يصنعهم أعداء الدين من أجل استئصال الدين!! لقد اشتد حرص السلف على مباشرة هذه المهمة الجسيمة، حتى إن الخليفة أبو جعفر المنصور بعث إلى من في الحبس من بني أمية يقول لهم: ما أشد ما مر بكم في هذا الحبس؟ فقالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا.
أي: الحيلولة بيننا وبين تربية أولادنا أكبر مصيبة وقعت علينا ونحن في هذا الحبس.
واشتد نكير السلف على من يصرف همه إلى الكبار فقط، ويهمل الصغار، وما ذاك إلا لأن الأمة محتاجة إليهم، وهم الأعمدة التي تبنى لتحمل ثقل البناء فيما بعد.
رأى عمرو بن العاص حلقة قد جلسوا إلى جانب الكعبة، فلما قضى طوافه جلس إليهم، فنحو الفتيان عن مجلسهم، وأبقوا الكهول والكبار في السن، فقال لهم عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه: (لا تفعلوا، أوسعوا لهم، وأدنوهم، وألهموهم، فإنهم اليوم صغار قوم يوشك أن يكونوا كبار قوم آخرين، قد كنا صغار قوم فأصبحنا كبار آخرين).
وقد علق الإمام ابن مفلح رحمه الله تعالى على هذه العبارة لـ عمرو بن العاص رضي الله عنه قائلاً: وهذا صحيح لا شك فيه، والعلم في الصغر أثبت، فالذي ينبغي أن يعتنى بصغار الطلبة لاسيما الأذكياء المتيقظين الحريصين على أخذ العلم، فلا ينبغي أن يجعل صغرهم أو فقرهم وضعفهم مانعاً من مراعاتهم والاعتناء بهم.
وكان الإمام محمد بن الحسين الشاشي الفقيه الشافعي رحمه الله تعالى ينشد: تعلم يا فتى! والعود رطب وطينك لين والطبع قابل