وهناك فرق بين التواضع والمهانة وهذه الفروق مذكورة في كتاب (الروح) للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: فالتواضع يتولد من أمرين: من العلم بالله سبحانه وتعالى، ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفصيلها وعلوم عملها وآفاتها، فيتولد من ذلك خلق التواضع، وهو: انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة لعباده، فلا يرى له على أحد فضلاً، ولا يرى له عند أحد حقاً، بل يرى الفضل في الناس عليه، والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه.
وأما المهانة: فهي الدناءة والخسة وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضع السفل في نيل شهواتهم، وقد ضرب العلماء مثلاًَ لهذا الشخص الذي يقبل المذلة والمهانة في سبيل حظوظ نفسه وشهوته، فقالوا: إن مثَل هذا كمثل الكلب ذهب إلى الأسد واشتكى له أنه سماه باسم قبيح، فقال: إن كلمة (كلب) كلمة قبيحة، فأنا أريد منك أن تغير اسمي، فأيأسه الأسد من ذلك، فلما رأى إصراره قال: إذن أعطيك هذه القطعة من اللحم، وتبقى تحرسها فترة من الزمن، فطال عليه الوقت حتى جاع، ولما جاع قال: وأي شيء في اسم كلب؟! ما (كلب) إلا اسم حسن جميل، فأكلها! فالشاهد: أن الإنسانَ الخسيسَ الهمةِ، والدنيءَ الطبع، يهين نفسه، ويقبل الدناءة والخسة في سبيل حظوظه وشهواته، ومثلَ هؤلاء السفل الذين يتواضعون من أجل نيل شهواتهم مثل تواضع المفعول به للفاعل، فهذا النوع من المهانة والخسة والدناءة لا يمكن أن يجتمع مع شرف النفس وصيانتها، وكذلك تواطؤ طالب كل حظ لمن يرجو نيل الحظ منه، فالمرءوسون يتواضعون في مهانة ومذلة لرئيسهم من أجل أن ينالوا منصباً، أو ينالوا مكافأة، أو ينالوا شيئاً من مطالب وحظوظ النفس، فهذا كله يدخل في صفة الضعة لا في صفة التواضع، والله سبحانه وتعالى يحب التواضع، ويبغض الضعة والمهانة، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أوحى الله إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد).