عزة المسلمين بإسلامهم

إذا قارنا أحوالنا بأحوال السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم نجد الفرق شاسعاً والبون شاسعاً، فالإمام أحمد رحمه الله تعالى بذل كل ما في وسعه من أجل الدفاع عن الدين، ولم يرض بدون بذل الجهد الأقصى في سبيل نصرة الدين، لاسيما في زمن المحنة، يقول لابنه: يا بني! لقد أعطيت المجهود من نفسي.

يعني: أتيت بأقصى ما أقدر عليه في سبيل التصدي للباطل والضلال.

ومن قبله قال الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معبراً عن هذا المعنى أيضاً: والله ما نمت فحلمت، ولا توهمت فسهوت، وإني لعلى السبيل ما زلت.

فانظر كيف يصور خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصديق الأكبر حروب الردة والفتوح الإسلامية أنها شغلته حتى أنه ما كان يستغرق في نومه، فما كان يتمتع بنوم عميق حتى يحلم؛ لأن كل نومه كان نوماً من الدرجة اليسيرة دون أن يستغرق في نوم عميق؛ لأنه ما كان يتاح له أن ينعم بشيء من النوم حتى يحلم! فكبيرو الهمة التعب في حقهم لهو، فهو لهوهم الذي يحبونه ويشغفون به، فمتعتهم أن يضحوا وأن يبذلوا وأن يجاهدوا، يقول الشاعر: قلب يطل على أفكاره ويد تمضي الأمور ونفس لهوها التعب فالتعب والكدح والسهر والجهاد هو اللهو عند هؤلاء القوم! وفي تراثنا الإسلامي مواقف رائعة تخبر عن علو همة سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى، وتعلن عن نظرتهم العميقة إلى حقائق الأشياء وتساميهم على المظهرية الجوفاء وتَرَفُّعِهم عن سفاسف التطور الكاذب، واعتزازهم بانتمائهم إلى الدين الحنيف دين العزة والكرامة، فمن ذلك ما صح عن ابن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب إلى الشام فاستقبله أبو عبيدة بن الجراح، فأتى على مخاضة من الماء وعمر على الناقة، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! أأنت تفعل هذا! تخلع نعليك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟! لا يسرني أن أهل البلد استشرفوك.

فخشي أن يراه البطارقة من سور بيت المقدس على هذه الهيئة، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: أوه -وهي: اسم فعل مضارع بمعنى: أتوجع- لو قال ذا غيرك -يا أبا عبيدة - لجلعته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغيره أذلنا الله.

فما أعظم هذه القاعدة التي هي سنة من سنن الله سبحانه وتعالى.

وهذه المنطقة التي حصلت فيها تلك المقولة العمرية تسمى اليوم ظلماً وعدوناً منطقة الشرق الأوسط، فالغربيون قسموا بلاد غيرهم إلى شرق أوسط وأقصى وأدنى بالنسبة للإمبراطورية الإنجليزية التي لم تكن تغرب عنها الشمس، فهذه التسمية تسمية استعمارية تنسب إلى بريطانيا، فجعلوا بريطانيا هي الأساس، ونحن شرق أوسط وأبعد وأدنى بالنسبة إليهم، هذه المنطقة التي تمثل العالم الإسلامي كانت قبل الإسلام كما يقول عمر: إنا كنا أذل قوم.

فما كان لهم أي شأن، وكانوا أحقر الأمم، وهذا يعكس تأثير البيئة، فإن البيئة في هذه المنطقة تدفع إلى الدعة والراحة والخمول والكسل والتأخر والتخلف، ومعلوم أن أعظم ما يؤثر على الإنسان هو البيئة، ولا يلغي تأثير البيئة ولا يصححه إلا العقيدة الدينية، فهذا هو الأصل في هذه المنطقة، كانوا أذل الأمم وأحقر الأمم، كانوا أميين جهلة، كانوا متخلفين محتقرين من كل الأمم، فآتاهم الله سبحانه وتعالى الإسلام وفيه شرفهم، كما قال الله: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء:10]، فأعزهم الله سبحانه وتعالى بالإسلام، وكانت آية من آيات الله سبحانه وتعالى التي تدل على صدق هذا الدين، وأنه دين الله حقاً، حيث أخرج هذه الأمة الجائعة الحافية العارية الجاهلة من الظلمات إلى النور، فصارت أرقى أمة وخير أمة أخرجت للناس، وأفضل أولياء الله على الإطلاق خرجوا من هذه الأمة العظيمة، وذلك بالإسلام فقط.

فالإسلام هو الذي استطاع أن يلغي تأثير البيئة في هؤلاء العرب، وبه اعتزوا، والله سبحانه وتعالى يعاقب من كفر بنعمته، فإذا كان الإسلام هو سبب عزكم فهناك قانون وسنة من سنن الله لا تتبدل ولا تتحول، وهي أنكم متى ما كفرتم بنعمة الله التي هي نعمة الإسلام التي هي عزكم ومجدكم فستعودون لتأثير البيئة من جديد، وستكونون أحقر الأمم وأذل الأمم.

فكل ما نعاينه اليوم من البلاء ومن العناء ومن التخلف ومن الذل ومن الهوان هو بسبب أننا طلبنا العزة من غير دين الله، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].

فما نحن عليه الآن هو الوضع الطبيعي؛ لأننا بدون الإسلام نرجع إلى تأثير هذه البيئة، وبالإسلام فقط نعتز ونرقى، ولذلك قال عمر: إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما -ومهما أداة شرط، فكلما وجد الشرط وجد المشروط، وإذا فقد الشرط فقد المشروط-، قال: فمهما نطلب العز بغيره أذلنا الله.

فهذه هي الحقيقة التي يحاول أعداء الدين أن يخفوها، ويحاولون أن يربطوا تخلفنا وتأخرنا بالإسلام، وكذبوا والله، فما أصابنا ما أصابنا إلا بسبب بعدنا عن الإسلام، فهذه هي الحقيقة التي يعرفها أعداء الإسلام جيداً، ولذلك هم حريصون أشد الحرص على أن يفصلوا بيننا وبين الإسلام، وأن يشوهوا صورة الإسلام، وأن ينفرونا من الإسلام، وأن يقضوا على اعتزازنا بالإسلام، وأن يفصلونا عن تاريخنا المجيد الذي به صرنا خير أمة أخرجت للناس.

وفي الرواية الأخرى: قال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه! فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نتبع العزة بغيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015