فضل تعلم القرآن الكريم وتعليمه

لقد جاءت عدة نصوص في السنة الشريفة في فضل تعليم القرآن الكريم وتعلمه، فقد ثبت عن أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى)، رواه مسلم، وقوله: (أقرؤهم) يعني: أحفظهم لكتاب الله تعالى.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان القراء -الحفاظ- أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباباً) رواه البخاري في صحيحه.

فكان عمر يجعل مجلس شوراه وأصحاب شوراه هم القراء بغض النظر عن سنهم، فما دام أنهم قد حفظوا القرآن فقد استحقوا أن يكونوا في مجلس شورى عمر رضي الله تعالى عنه.

يقول الإمام النووي: واعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه من يعتمد من العلماء: أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار.

أي: لأن القرآن كلام الله، وأحسن الكلام هو كلام الله.

وأيضاً ذكرنا في صدر الكلام حديث عثمان رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، والذي روى هذا الحديث عن عثمان هو أبو عبد الرحمن السلمي، فكان يروي هذا الحديث ثم يقول: فذلك الذي أقعدني مقعدي هذا.

وكان يعلم من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج.

أي: كان طوال هذه الفترة يجلس ليحفظ الناس القرآن الكريم، فمن أجل هذا الحديث قعد أبو عبد الرحمن السلمي أربعين سنة يقرئ الناس بجامع الكوفة، مع جلالة قدره وسعة علمه.

وقد سئل سفيان الثوري عن الجهاد وتعليم القرآن أيهما أفضل؟ فرجح الثاني؛ مستدلاً بهذا الحديث: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

وعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلم) يقول: وأخذ بيدي، وأقعدني في مجلس أقرئ، يعني: أحفظ الناس؛ حيث إن هذه الوظيفة هي أشرف الوظائف.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد فقال: أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان والعقيق فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين زهراوين فيأخذهما بغير إثم ولا قطع رحم؟ فقلنا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك، قال: لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله تعالى خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل)، يعني: أن تعلم آية والاشتغال بحفظها أفضل من ناقة بهذه الصفة المذكورة.

وقال عليه الصلاة والسلام: (أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلاث خلفات عظام سمان؟)، خلفات: جمع خلفة، وهي: الحامل من النوق، وخص الحامل من النوق لأنها ستأتي بذرية أيضاً، وليست فقط ناقة بمفردها لكن بذريتها، قال عليه الصلاة والسلام: (أيكم يحب إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلاث خلفات عظام سمان؟ فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان).

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)، والنفي والاستثناء يدل على الحصر والتوكيد لهذه الفضيلة؛ فمن كان يؤمن أن محمداً عليه الصلاة والسلام هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى فليوقن بهذا الثواب العظيم؛ إذ لا يمكن أن يقول هذا إلا ويقع هذا الشيء حتى لو لم نحس به، لأن الذي أخبرنا به هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

فالإنسان عليه ألا يذهب إلى مجالس تعلم وحفظ القرآن إلا ويستحضر هذا الأمر الذي يحدوه ويعينه على الجلوس والتعلم، فالإنسان إذا استحضر هذا الثواب وهذه الفضيلة فإنه بلا شك يكون عنده طاقة تعينه على الثبات والاستمرار.

قال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)، فهل الإنسان العاقل بعدما يسمع مثل هذا الحديث الشريف يعرض عن الجلوس في بيت الله سبحانه وتعالى ليتدارس القرآن الكريم، وينال هذا الثواب العظيم، وهذه الفضائل التي لا تكاد تحصى، ويجلس أمام التلفزيون أو الفيديو أو غير ذلك من أجهزة الفساد؟! هل الإنسان الذي عنده عقل وإيمان ويقين بوعد الله سبحانه وتعالى ووعيده يعرض عن مجالس الذكر وفيها كل هذا الخير العظيم، ويجلس حيث شياطين الإنس والجن يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا، ويقطعون الطريق إلى الله على خلق الله؟! وعن هارون بن عنترة عن أبيه قال: قلت لـ ابن عباس: أي العمل أفضل؟ قال: (ذكر الله أكبر) يعني: أن أفضل شيء هو الذكر، قال ابن عباس: (ذكر الله أكبر، وما جلس قوم في بيت من بيوت الله عز وجل يتدارسون كتاب الله ويتعاطونه بينهم إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها، وكانوا أضياف الله ما داموا فيه، حتى يخوضوا في حديث غيره) أي: إذا خرجوا عن القرآن إلى غيره لا تبقى لهم هذه الفضيلة الموعودة في هذا الأثر.

وذكر الخطيب البغدادي: أن أحد العلماء توفي، فرئي في المنام، فقالوا: ما فعل الله بك؟ فقال: ذهبت تلك الشطحات وذهبت تلك العلوم -يعني: علوم الدنيا- وبقيت لنا سورة الفاتحة كنا نعلمها عجائز في قريتنا نفع الله بها.

فإذا كان هذا بتحفيظ الفاتحة فحسب، فكيف بمن يكون سبباً في تحفيظ الناس كلام الله سبحانه وتعالى؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015