أول أسباب الارتقاء بالهمة: العلم والبصيرة، فالعلم يصعد بالهمة، ويرفع طالبه عن حضيض التقليد، والعلم هو الذي يساعد على تصفية النية، حتى أثر عن بعض العلماء أنه قال: طلبنا العلم للدنيا فدلنا على طلب الدين.
يعني: أنه شرع في البداية في طلب العلم لأجل الرياء أو لطلب الدنيا، ثم لم يلبث العلم أن أخذ بناصيته إلى الإخلاص، وعالج أمر الرياء في قلبه.
وذكر القصاص: أن رجلاً خطب امرأة ذات منصب وجمال، فرفضت أن تتزوجه؛ لفقره وقلة حسبه، يعني: أخذت عليه أنه فقير وأنه قليل الحسب، ففكر بأي الأمرين ينالها، أبالمال أم بالحسب؟ فاختار الحسب، وطلب العلم للحسب، حتى أصبح ذا مكانة، ولما اشتهر بطلب العلم، وأصبح له مكانة كبيرة بعثت إليه تلك المرأة نفسها تعرض عليه أن يتزوجها، فقال: لا أؤثر على العلم شيئاً؛ لأنه كان قد ذاق حلاوة العلم، ولذا قال: لا أؤثر ولا أفضل أبداً شيئاً على العلم، وأبى أن يتزوجها، فارتفع العلم بهمته عن أن يحصر همه في نيل مثل هذا المطلب الدني.
وهذا يذكرني بشاب إنجليزي يدعى (نيجل) بريطاني الأصل له قصة طريفة: رحل من بريطانيا إلى مصر على الدراجة، حيث رحل أولاً بدراجة من بريطانيا إلى اليونان، ثم ركب مركباً إلى لبنان، وكان في الطريق يشتغل قليلاً ليجمع بعض المال، ثم يتم رحلته، حتى مر على فلسطين، ثم مر على سيناء حتى وصل إلى مصر، ثم تجول في داخل مصر إلى أن وصل إلى الإسكندرية فقابله شاب يقود التاكسي، فتعرف عليه ودعاه إلى بيته، المهم أنه صار بينهما نوع من الصداقة، ثم رأى بنت الجيران في حي منزل صديقه، فأراد هذا الشاب الإنجليزي أن يتزوجها، فقال أهلها: لابد أن تكون مسلماً؛ لأنها مسلمة ولا تتزوج من غير مسلم، فقال: كيف أسلم؟ فقالوا: تذهب إلى بعض الجهات، حتى تأخذ تصريحاً بذلك، فذهب ليسلم بورقة ويحقق مأربه، فبعض الإخوة أعطاه كتباً وكلمه عن الإسلام، فغاب تقريباً لمدة شهر، ثم عاد بعد ذلك ليبحث بجدية وبدأب شديد عمن يعلمه قراءة الفاتحة؛ لأنه لما قرأ معاني القرآن الكريم، وتعلم شيئاً عن الإسلام، أقبل بكليته نحو الإسلام، فدخل في الإسلام ولله الحمد، ولما ذكروه بموضوع هذه الفتاة قال: أنا كنت أطلب الإسلام من أجل المرأة، أما الآن فلا أتحول عن الإسلام إلى مقصد آخر، ولم يفكر بعد في الزواج بهذه المرأة، وهذا الأخ أتقن اللغة العربية جيداً، فقد درس في الأزهر في القاهرة، وحفظ القرآن الكريم كله، ولله الحمد.
الشاهد: أن العلم بالوحيين بالقرآن والسنة والمعاني العظيمة يرتفع بهمة الإنسان.
وأيضاً من فضائل العلم: أنه يورث صاحبه الفقه بمراتب الأعمال، فإذا عرف مراتب الأعمال يقدم الأهم على المهم، ويتقي فضول المباحات التي تشغله عن عبادة الله سبحانه وتعالى، سواء كان فضول الأكل، أو النوم، أو الكلام.
ثم العلم يدفعه إلى أن يراعي التوازن والوسطية بين الحقوق والواجبات؛ امتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأعط كل ذي حق حقه).
وأيضاً العلم هو الذي يبصره بحيل إبليس وتلبيسه عليه؛ لأن إبليس قد يأتيه ويحاول أن يحول بينه وبين فعل ما هو أكثر ثواباً مما يفعله، ويشغله بالمفضول عن الفاضل، قال أبو سليمان: يجيئك -أي: إبليس- وأنت في شيء من الخير، فيشير إلى شيء من الخير دونه، ليربح عليك شعيرة.