ثم ينتقل الأخ رحمة برلومو الأندونيسي إلى نقطة جوهرية أخرى جعلته يختار الإسلام ديناً، فهو يقول: أما البدهية الثانية في الديانة المسيحية فتقول بأن هناك ما يسمى بالخطيئة الأولى التي هي الخطيئة الأصلية، وهذه من أعمدة الديانة النصرانية، ويقصد بهذا أن الذنب الذي اقترفه آدم عليه السلام عندما أكل الثمرة المحرمة عليه من الشجرة في الجنة، فهذا الذنب سوف يرثه جميع بني البشر حتى الجنين في رحم أمه، فيتحمل هذا الإثم ويولد آثماً، فهذه هي الخطيئة الأصلية، وهي من أساسيات العقيدة النصرانية.
فالخطيئة الأصلية هي التي ارتكبها آدم حينما عصى الله سبحانه وتعالى في الجنة، يقولون: إن الله سبحانه وتعالى طرده من الجنة، وإن هذه الشجرة كانت شجرة المعرفة.
فيقولون: إن الله كان يخشى أن آدم لو أكل منها ستصبح عنده بصيرة، فلما أكل منها وأصبحت عنده بصيرة غضب الله عليه.
لأن هذا المفهوم الذي عندهم من التناقض بين العلم والدين انعكس في هذا الافتراء الذي افتروه فقالوا: إن الله كان حريصاً على أن لا يكون عند آدم علم أو معرفة، ولذلك حرم عليه هذه الشجرة، والعياذ بالله، فهذا كله من كذبهم! ومن ثم حصلت المعاداة بينهم وبين العلم والدين، أما نحن فعندنا أن أول كلمة نزلت في القرآن الكريم قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، ورفع شأن العلم والدليل والحجة والبرهان في الإسلام أمر غني عن التعريف.
فهم يعتقدون أن كل بني آدم صاروا ملوثين بهذه الخطيئة، فكل من يولد يولد ملوثاً بالخطيئة الأصلية! أما نحن فنؤمن قطعاً بأن الله سبحانه وتعالى قد تاب على آدم عليه السلام لما تاب وأناب إلى الله، قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37] ثم تم اهباطه إلى الأرض، وهذه المصيبة كتبت على بني البشر، فهي قدر قدره الله سبحانه وتعالى، أي: قدر أن يهبط إلى الأرض لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، فأما آدم فحينما أهبط إلى الأرض كان قد تاب الله عليه.
فهكذا كانت كل الأجيال السابقة للمسيح -بزعمهم- ملوثة بخطيئة آدم، فيجعلون الحقد والأيام السوداء يوم خروج الجنين من بطن أمه؛ لأنه خرج ملوثاً، ونحن -ولله الحمد- في الإسلام حينما نريد ضرب المثل بالنقاء والطهارة من الآثام نقول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، فكلمة (كيوم ولدته أمه) تعني: أنه صفحة بيضاء لا خطيئة عليها ولا ذنب، بل على الفطرة التي هي فطرة الإسلام.
وعندهم أن من أشد الأيام سواداً أول حياة المولود؛ لأنه ولد من أول يوم وهو ملوث بخطيئة لم يرتكبها ولا عنده خبر بها.
فالشاهد أنهم يزعمون أنه لا توجد طريقة أبداً لمحو هذا الأمر عن البشرية إلا بأن ينزل ابن الله في زعمهم ويتجسد ويصلب كي يفدي البشرية! وقبل هذا الأمر أين كانت البشرية؟! كان يوجد أنبياء، كآدم عليه السلام، ونوح، وصالح، وهود، وكل هؤلاء الأنبياء -حتى موسى عليه السلام وأنبياء بني إسرائيل قبل المسيح عليه السلام- وكل المؤمنين وعامة البشر قبل المسيح -والعياذ بالله- كانوا محبوسين في سجن جهنم بسبب خطيئة آدم، وما خرجوا إلا بعملية الفداء هذه! أما بالنسبة لموضوع التعميد والتغطيس فهذا -أيضاً- من أصول دينهم، وهذا هو التناقض، فإذا كانوا يزعمون أن المسيح -والعياذ بالله- بصلبه المزعوم طهر البشرية من الخطيئة الأصلية فلماذا يقولون: إن كل مولود يولد ملوثاً بالخطيئة الأصلية، فلذلك يحتاج إلى التعميد والتغطيس من أجل أن يزول عنه أثر هذه الخطيئة؟! ما فالمفروض أن تكون البشرية كلها قد تطهرت، وهذا من التناقض أيضاً، فإذا كان كل طفل محتاجاً إلى أن يغسل من الخطيئة بهذا التعميد وهذا التغطيس، وهذا الذنب سوف يرثه جميع بني البشر حتى الجنين في رحم أمه يتحمل هذا الإثم ويولد آثماً، فهل هذا صحيح أم لا؟! لقد أخذت أبحث عن حقيقة ذلك، فلجأت إلى العهد القديم الذي هو التوراة.
والعهد القديم لا توجد فيه أدنى إشارة إلى التثليث، فكيف بحقيقة الإله -في زعمكم- يخلو منها كتابكم المقدس أو الجزء الأول من الكتاب المقدس الذي هو العهد القديم أو التوراة؟! كيف تكون هذه الأمور مخفية؟! فالرسل بهذا كانت تأتي لتضل الناس وتكتم عنهم الحقائق! فهذا يدل على أن هذه عقيدة مخترعة وعقيدة طارئة من تحريفاتهم كما هو معلوم.
يقول: فلجأت إلى العهد القديم فوجدت في حزقيل ما يلي: (الابن لا يحمل من اسم الأب، والأب لا يحمل من اسم الابن، بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون، فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحصل كل فرائضي، وفعل حقاً وعدلاً فحياة يحيا لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه).
وهذا موجود في القرآن بصورة واضحة، قال تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} [النجم:38 - 41].
ولعل من المناسب هنا أن نذكر ما يقوله القرآن الكريم في هذا المقام: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر:18].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يولد ابن آدم على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فهذه هي القاعدة في الإسلام، ويوافقها ما جاء في الإنجيل، فكيف يقال: إن خطيئة آدم تنتقل من جيل إلى جيل وأن الإنسان يولد آثماً؟! يقول الأخ رحمة برلومو الأندونيسي: إذاً: هذه التعاليم المسيحية قد اتضح بطلانها وافتراؤها بنص صحيح من الكتاب الموصوف بالمقدس نفسه.
وهناك البدهية الثالثة في التعاليم النصرانية التي تقول: إن ذنوب بني البشر لا تغفر حتى يصلب عيسى عليه السلام، ولقد أخذت أفكر في هذه البدهية وأتساءل: هل هذا صحيح؟! وكان الجواب الذي لا مفر منه: لا؛ لأن النص الآنف الذكر من العهد القديم ينفي مثل هذا الاعتقاد بقوله: (فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحصل كل فرائضه، وفعل حقاً وعدلاً فحياة يحيا لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه).
أي أن الله يغفر ذنوبه دون حاجة إلى أية وساطة من أحد، ويمضي الأخ الأندونيسي الذي كان قساً في يوم من الأيام ضمن رحلته الطويلة من الكفر إلى الإسلام فيقول: لقد واصلت البحث في عدد من القضايا الاعتقادية الأخرى، لقد وضعت يوماً من الأيام كلاً من الإنجيل والقرآن أمامي على المنضدة، ووجهت السؤال التالي إلى الإنجيل، قلت له: يا إنجيل! ماذا تعرف عن محمد عليه الصلاة والسلام؟! فقال: لا شيء؛ لأن اسم محمد غير مذكور في الإنجيل.
ثم وجهت السؤال التالي إلى عيسى كما تحدث عنه القرآن، فقلت: يا عيسى بن مريم! ماذا تعرف عن محمد عليه الصلاة والسلام؟ فقال: لقد ذكر القرآن بما لا يدع مجالاً للشك أن رسولاً لا بد من أن يأتي من بعدي اسمه أحمد، يقول تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف:6] فأي ذلك حق يا ترى؟! ثم يقول: هناك إنجيل واحد هو إنجيل برنابا، وهو غير الأناجيل الأربعة التي ذكرناها من قبل، وهذا الإنجيل -للأسف- حرم رجال الدين النصارى على أتباعهم الاطلاع عليه، أتدري لماذا؟! الأرجح هو أن هذا الإنجيل هو الوحيد الذي يتضمن البشرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتحل فيه الإضافات والتحريفات حداً أدنى، كما أن فيه حقائق تطابق ما جاء في القرآن الكريم، فقد جاء إنجيل برنابا: (وقتئذٍ يسأل فيه التلاميذ المسيح: يا معلم! من يأتي بعدك؟ فقال المسيح بكل سرور وفرح: محمد رسول الله، سوف يأتي من بعدي كالسحاب يظل المؤمنين جميعاً).
يقول الأخ رحمة برلومو: ثم قرأت جملة أخرى في إنجيل برنابا، وهي قوله: (وقتئذٍ يسأل التلميذ المسيح: يا معلم! حين يأتي محمد ما هي علامته حتى نعرفه؟ فقال المسيح: محمد لا يأتي في عقدنا هذا، وإنما يأتي بعد مئات السنين حين يحرف الإنجيل، والمؤمنون حينئذ لا يبلغ عددهم ثلاثين نفراً، فحينئذٍ يرسل الله سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء والمرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم).
لقد تردد ذكر ذلك في إنجيل برنابا عدة مرات، أحصيتها فوجدت أن فيه خمسة وأربعين جملة تذكر محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد اكتفيت بالجملتين السابقتين على سبيل الاستشهاد.
ثم قال الأخ رحمة برلومو: ومن التعاليم البدهية في الديانة المسيحية أن عيسى عليه السلام هو المنقذ المخلص للعالم، أي أنك إذا آمنت بإلهية عيسى سوف تنجو، وهذا يعني أنه يمكنك أن تفعل ما تشاء غير العمل بالذنوب والمعاصي، ما دمت تؤمن بعيسى كمنقذ لك، شريطة أن تكون على يقين بأنك من التابعين، فقلت لنفسي: لا بد من أن أبحث في الإنجيل وأعرف الحق من الباطل في ذلك، في أعمال الرسل رسالة بولس الأولى إلى أهل بولنتس يقول: (الله قد أقام الرب، وسيقيمنا نحن أيضاً بقوته).
ثم يقول: إنه جاء في القصة أيضاً في كتبهم أنهم لما قبضوا على المسيح عرضوه أمام العدالة، فحكم عليه بالصلب، ثم دفن، فهنا تأتي الآية المناسبة لتلك القصة، فيقول: لقد تأملت هذا طويلاً ثم قلت: إذا لم يتدخل الله في إقامة المسيح من القبر لبقي مدفوناً تحت التراب إلى يوم القيامة، إذاً: ما دام المسيح لم يستطع إنقاذ نفسه فكيف يكون بوسعه إنقاذ الآخرين؟ هل يليق بإله -كما يزعمون- أن ي