قال رحمه الله تعالى: اعلموا -رحمكم الله- أن أصلي من مدينة ميورقا وهي جزيرة في البحر الأبيض المتوسط جنوب شرق أسبانيا اليوم، فتحها المسلمون سنة تسعين ومائتين للهجرة، إلى أن تغلب عليها العدو البرشلوني وخربها سنة (508) للهجرة.
يقول: اعلموا -رحمكم الله- أن أصلي من مدينة ميورقا أعادها الله للإسلام، وهي مدينة كبيرة تقع على البحر بين جبلين، يشقها واد صغير، وهي مدينة لها مرساتان عجيبتان ترسو بهما السفن الكبيرة للمتاجر الجليلة، والمدينة في جزيرة تسمى باسم المدينة ميورقا، وأكثر غاباتها زيتون وتين، وكان والدي محسوباً من أهل حاضرة (ميورقا)، ولم يكن له ولد غيري، ولما بلغت ست سنين من عمري أسلمني إلى معلم من القسيسين قرأت عليه الإنجيل حتى حفظت أكثر من شطره في مدة سنتين، ثم أخذت في تعلم لغة الإنجيل وعلم المنطق في ست سنين، ثم ارتحلت من بلدي (ميورقا) إلى مدينة لاردا من أرض القصطلان.
وهذه المدينة تسمى الآن كستلون، و (قصطلة) مدينة بالأندلس، فهذه المدينة -مدينة القصطلان- مدينة العلم عند النصارى في ذلك القطر، وفي هذه المدينة يجتمع طلبة العلم من النصارى، وينتهون إلى ألف وخمسمائة، ولا يحكم فيهم إلا القسيس الذي يقرءون عليه، فقرأت فيها علم الطبيعيات والفلك مدة تسع سنين، ثم تصدرت فيها أقرأ الإنجيل ولغته ملازماً لذلك مدة أربع سنين، ثم ارتحلت إلى مدينة جلونيا من أرض الأندلس، وهي مدينة كبيرة جداً، وهي مدينة علم عند جميع أهل ذلك القطر، ويجتمع بها كل عام من الآفاق أكثر من ألفي رجل يطلبون العلوم ولا يلبسون إلا الملف، وهو لحاف يلتحف به، ويسمي هذا الملف -كما يقول- صباغ الله.
ولعلهم يقصدون بذلك أنهم يلبسون لباساً معيناً يصبغ بصبغة -في زعمهم- مقدسة، كما يفعلون في التعميد، ولو كان طالب العلم منهم سلطاناً أو ابن سلطان فلا يلبس إلا ذلك؛ ليمتاز الطلبة عن غيرهم، ولا يحكم فيهم إلا القسيس الذي يقرءون عليه.