من منازل علو الهمة في الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى علو همة فارس الإسلام السرماري وهو الذي قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في وصفه: الإمام الزاهد العابد المجاهد فارس الإسلام أبو إسحاق، يقول الذهبي: وكان أحد الثقاة، وبشجاعته يضرب المثل.
وقال أيضاً في موطن آخر: أخبار هذا الغازي تسر قلب المسلم.
وقال: قال إبراهيم بن عفان البزاز: كنت عند أبي عبد الله البخاري، فجرى ذكر أبي إسحاق السرماري فقال: ما نعلم في الإسلام مثله.
فخرجت فإذا أحمد رئيس المطوعة، فأخبرته بما قاله أبو عبد الله البخاري في السرماري، فلما سمع أحمد بذلك غضب، ودخل على البخاري وسأله، فقال: ما كذا قلت! بل ما بلغنا أنه كان في الإسلام ولا في الجاهلية مثله.
يعني: في الشجاعة.
وعن أحمد بن إسحاق السرماري قال: ينبغي لقائد الغزاة أن يكون فيه عشر خصال: أن يكون في قلب الأسد لا يجبن، وفي كبر النمر لا يتواضع للأعداء، وفي شجاعة الدب يقتل بجوارحه كلها، وفي حنة الخنزير لا يولي دبره، وفي غارة الذئب إذا أيس من وجه أغار من وجه، وفي حمل السلاح كالنملة تحمل أكثر من وزنها، وفي الثبات كالصخر، وفي الصبر كالحمار، وفي الوقاحة كالكلب لو دخل صيده النار لدخل خلفه، وفي اقتناص الفرصة كالديك.
قال إبراهيم بن شماس: كنت أكاتب أحمد بن إسحاق السرماري فكتب إلي: إذا أردت الخروج إلى بلاد الغزية في شراء الأسرى فاكتب إلي.
فكتبت إليه، فقدم سمرقند، فخرجنا، فلما علم جعبويه استقبلنا في عدة من جلوسه -وهو قائد جيش الكفار- فأقمنا عنده، فعرض يوماً جيشه -وهو الاستعراض العسكري- فمر رجل، فعظمه وخلع عليه -أي: أن هذا جندي في جيش الكفار أخذ جعبويه يمدحه ويعظمه، وخلع عليه من الهدايا والهبات- فسألني عن السرماري فقلت: هذا رجل مبارز يعد بألف فارس.
قال: أنا أبارزه.
فسكت، فقال: جعبويه: ما يقول هذا؟ قلت: يقول كذا وكذا.
قال: لعله سكران لا يشعر، ولكن غداً نركب.
فلما كان الغد ركبوا، فركب السرماري ومعه عمود خبأه في كمه، فقام بإزاء المبارز الذي هو مقدم عندهم، فقصده فهرب أحمد حتى باعده من الجيش، فظل يتراجع ويظهر التراجع أمامه حتى يبعده عن باقي الجيش، ثم كر عليه وضربه بالعمود فقتله، فتبعه إبراهيم بن شماس -لأنه كان سبقه- فلحقه، وعلم زيغويه فجهز في طلبه خمسين فارساً نقاوة فأدركوه، فثبت تحت تل من الرمال مختفياً، حتى مروا كلهم واحداً بعد واحد، وجعل يضربهم بعموده من ورائهم، إلى أن قتل تسعة وأربعين من الوراء، وأمسك واحداً، فقطع أنفه وأذنيه وأطلقه حتى يرجع ويخبر بما حدث؛ لأنه شاهد عيان.
ثم بعد عامين توفي أحمد، وذهب ابن شماس في الفداء فقال له جعبويه: من ذاك الذي قتل فرساننا؟! قال: ذلك أحمد السرماري.
قال: فلم لم تحمله معك؟ قلت: توفي.
فصك في وجهي -أي: ضربه في وجهه- وقال: لو أعلمتني أنه هو لكنت أعطيته خمسمائة برذون وعشرة آلاف شاة.
وعن عبيد الله بن واصل قال: سمعت أحمد السرماري يقول وأخرج سيفه: أعلم يقيناً أني قتلت به ألف تركي، وإن عشت قتلت به ألفاً آخر، ولولا خوفي أن يكون بدعة لأمرت أن يدفن معي.
فانظر إلى غاية اتباعه وورعه في أدق الأشياء، يعني: لولا خوفه أن يكون بدعة لأوصى أن يدفن سيفه معه في قبره، مع أن هذا السيف استعمله في الجهاد، فيا عجباً ممن يوصي أن يدفن معه العود -آلة الموسيقى- في قبره! وعن محمود بن سهل الكاتب قال: كانوا في بعض الحروب يحاصرون مكاناً، ورئيس العدو قاعد على صفة -يعني: على ظلة وعلى بهو واسع وسقفه عال-، فرمى السرناري سهماً فغرزه في الصفة، فأومأ الرئيس إلى أحد الجند لينزعه، فرماه بسهم آخر فأصاب يده فثبتها في الخشبة، فتطاول الكافر لينزعه من يده فرماه بسهم ثالث في نحره، فانهزم العدو وكان الفتح.
وعن عمران بن محمد المطوعي قال: سمعت أبي يقول: كان عمود السرناري ثمانية عشر مناً، والمن رطلان، فلما شاخ جعله اثني عشر مناً، وكان يقاتل بالعمود رحمه الله تعالى.