يقول الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في شأن عالي الهمة: لا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له فإنهم هم الأقلون قدراً وإن كانوا الأكثرين عدداً، كما قال بعض السلف: عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم، وغض الطرف عمن سواهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك.
أي: لأن هؤلاء هم قطاع الطريق إلى الله، كل هدفهم أن يصدوا الناس عن دين الله، يعني: أن الذي يلتحي إذا حلق لحيته يكون قد حقق هدفهم، وإذا ترك الصلاة، وإذا شرب الخمر يقال عليه: إنه استقام حاله واستقام سيره؛ لأنه شرب الخمر، وصاحب البنات، وتخلى عن دينه وعن التزامه ولذا يعامل معاملة جيدة، وأما حينما تتمسك بدينك فإنك تضطهد، فهذه فتنة، وهذا ابتلاء، كما قال عز وجل: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2] فلماذا كل سلعة نقصدها ندفع أغلى ثمن في سبيلها، والجنة التي هي أغلى سلعة لا تشترى؟ فأنت مطالب بأن تدفع ضريبة هذه الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) فالصبر على هذا الأذى والثبات على هذا الدين شيء يسير جداً في جانب جنة عرضها السماوات والأرض، يعني: كم ستصبر على هذا البلاء؟ وكم ستعيش؟ مائة سنة؟ فاصبر على أذى الخلق وتصبر على دينك وعلى طاعة ربك، ومهما لقيت من أذى فاصبر صبراً طويلاً ثم بعد ذلك تنال الظفر العظيم بجنة الرضوان.
يقول: والملتفت لنعيق الباطل كالظبي، والظبي أشد سعياً من الكلب، ولكنه إذا أحس به التفت إليه فيضعف سعيه فيدركه الكلب فيأخذه.
يعني: أن الظبي أسرع من الكلب، ولكن مشكلة الظبي أنه يلتفت إلى الكلب إذا أحس به، ولو مضى في طريقه لنجا منه؛ لأنه أسرع من الكلب ولن يدركه، لكن لأنه يتوقف ويلتفت وينشغل به يدركه الكلب فيأكله.
وفي هذا المعنى يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى: أخي فامض لا تلتفت للوراء قميصك قد خضبته الدماء ولا تلتفت هاهنا أو هناك ولا تتطلع لغير السماء قوله: (ولا تلتفت للوراء) حقيقة تذكر أيضاً بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين أعطى الراية يوم خيبر لـ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقال له: (امض ولا تلتفت)، فأخذ علي الراية ثم بدا له أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء فانظر كيف فعل؟ حينما أراد أن يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام ثبت وجهه تلقاء الجهة التي قصدها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه، والأسهل إذا أردت أن تخاطب من هو خلفك أن تواجهه بوجهك، لكن احتياطاً لوصية الرسول: (ولا تلتف) رفع رأسه وهو في نفس الجهة وقال: يا رسول الله! علامَ أقاتل الناس؟ فقال: قاتلهم على كذا وكذا إلى آخر الحديث.
فالشاهد: قوله: (لا تلتفت للوراء) فما دمت قررت المضي والعمل للجنة ولسعادة الآخرة فلا تلتفت إلى الدنيا ولا تلتفت إلى قطاع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى.