قال الشافعي رحمه الله تعالى: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين.
وقال أيضاً: لما ختمت القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، وكنت أسمع المسألة فأحفظها، ولم يكن عند أمي ما تعطيني أشتري به قراطيس -يعني الأوراق-، فكنت إذا رأيت عظماً يلوح آخذه فأكتب فيه، فإذا امتلأ طرحته في جرة كانت لنا قديماً.
فكان يجمع فيها هذه العظام التي كتب فيها العلم.
والإمام الشافعي نشأ يتيماً فقيراً رحمه الله، يقول عن نفسه: لم يكن لي مال، وكنت أطلب العلم في الحداثة -يعني: في مستهل العمر، وكانت سن الإمام أقل من ثلاث عشرة سنة-، وكنت أذهب إلى الديوان استوهب الظهور -يعني: أسألهم أن يهبوني ظهور الأوراق المكتوب عليه؛ لأن ظهورها تكون خالية- فأكتب فيها! وقال ابن أبي حاتم: سمعت المزني يقول: قيل للشافعي: كيف شهوتك في العلم؟ قال: أسمع بالحرف -يعني الكلمة- مما لم أسمعه فتود أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم بما تنعمت به الأذنان.
وقيل له: كيف حرصك على العلم؟! قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال.
والجموع الممنوع هو الذي يجتهد في جمع المال من كل حدب وصوب ثم يبخل به، فتكون شدة حب هذا الرجل للمال وشدة حرصه عليه كبيرة جداً، فلما سئل عن حرصه على العلم قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال.
فقيل له: فكيف طلبك له؟! قال الشافعي: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره.
فتخيل امرأة ليس لها سوى ولد واحد، فضل ولدها، فكيف ستجتهد في البحث عنه ونشدان هذه الضالة؟! يقول: هذا هو طلبي للعلم.