عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العلم؛ فإنهم اليوم كثير.
فقال: واعجباً لك يـ ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟! قال: فتركت ذاك.
يعني: لم يفت في عزمه ولم يبال بتثبيطه، فانصرف عنه ابن عباس مع صغر سنه رضي الله تعالى عنه، يقول: فتركت ذاك، وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل -يعني: في وقت القيلولة قبل صلاة الظهر، فيكره أن يوقظه من القيلولة- فأتوسد ردائي على بابه، فتسف الريح علي من التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما جاء بك؟! هلا أرسلت إلي فآتيك؟! فأقول: لا؛ أنا أحق أن آتيك.
فأسأله عن الحديث.
فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني، فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني.
ولما فتحت البلاد آثر ابن عباس من أجل العلم ظمأ الهواجر في دروب المدينة ومسالكها على الظلال الوارفة في بساتين الشام وسواد العراق وشطآن النيل ودجلة والفرات.
قال رضي الله عنه: لما فتحت المدائن أقبل الناس على الدنيا، وأقبلت على عمر رضي الله عنه.
يعني: كي يتعلم منه ويستفيد من صحبته.
يقول الشاعر: لكل بني الدنيا مراد ومقصد وإن مرادي صحة وفراغ لأبلغ في علم الشريعة مبلغا يكون به لي للجنان بلاغ وفي مثل هذا فلينافس أولو النهى وحسبي من الدنيا الغرور بلاغ فما الفوز إلا في نعيم مؤبد به العيش رغد والشراب يساغ ويقول -أيضاً- ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن دأبه في طلب العلم: كنت آتي باب أبي بن كعب رضي الله عنه وهو نائم، فأقبل على بابه، ولو علم بمكاني لأحب أن يوقظ لي لمكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكني أكره أن أمله.
وقال -أيضاً- ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، فأسألهم عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل في القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحداً إلا سر بإتياني لقربي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أسأل أبي بن كعب يوماً -وكان من الراسخين في العلم- عما نزل من القرآن في المدينة فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة، وسائرها بمكة.