يقول الإمام أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى: تأملت عجباً، وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله.
يعني أن الراحة لا تنال بالراحة، وإنما الراحة تنال على جسر من التعب، فكلما ازداد خطر الشيء وقيمته ووزنه كلما صعب الحصول عليه وتناوله.
يقول: فإن العلم لما كان أشرف الأشياء لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار وهجر اللذات والراحة.
ولا شك في أن العلم أشرف ما يحصل عليه الإنسان، وأشرف مأرب يتطلع إلى تحصيله، ومن ثم فلا يمكن أن ينال إلا بأشد التعب والجهد والسهر والتكرار وهجر اللذات والراحة، حتى قال بعض الفقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر؛ لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس.
والهريسة في اصطلاح السلف كانت عبارة عن أكل فيه توابل كثيرة جداً، هذا معنى الهريسة عندهم، فهي بخلاف معنى الهريسة اليوم.
فما استطاع هذا الطالب أبداً خلال سنوات طويلة أن يضحي بلحظة أو ساعة أو وقت من الدرس في سبيل أن يحصل هذه الشهوة! وقد حدث مرة أنني رأيت الشوارع خاوية، وكأنه فرض حظر التجول في المدينة، ثم دخلت المسجد لإلقاء درس تفسير القرآن فوجدت المسجد يكاد يكون خاوياً إلا من عدد قليل جداً من الأخوة، فظننت أنه حصل أمر خطير حتى تغيب طلبة العلم عن مجلس القرآن ومجلس الذكر، ثم علمت أن سبب ذلك مباراة كرة قدم دولية! فحينما نقارن أحوالنا بأحوال السلف نعرف خطورة الوضع الذي نحن فيه، وبعدنا عن منهج السلف الذي ندعيه ونزعم الانتساب إليه.