فحديثنا -بإذن الله تعالى- سيكون عن علو همة السلف الصالح في طلب العلم.
فالعلم أشرف ما رغب فيه الراغب، وأنفع ما كتبه واقتناه الكاتب، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لـ كميل بن زياد: احفظ ما أقول لك، الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل -يعني أن العمل يزيده وينميه، والمال تنقصه النفقة- ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته وفنائه.
وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه، مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.
اهـ.
والحديث عن فضل العلم وما يناله طالبه من مزية وكرامة من الله سبحانه وتعالى هو حديث لا يكشف عن غامض، ولا يطرق السمع بجديد، وليس مقصودنا هنا أن نتكلم في فضائل العلم أو في الحث على العلم، فذاك حديث كثر فيه الكلام والتصوير، إنما مقصودنا لفت الأنظار إلى القوة العملية، وهي الوسيلة التي صعدت بعلمائنا فخدموا الدين ونشروا العلم.