والتشجيع موجود الآن في الغرب، ويوجد الآن بصورة محدودة في بلادنا، لكن مما ينبغي أن نعرفه أن الغرب والشرق تقدموا تقدماً كبيراً جداً في العلوم التجريبية، ومع ذلك فإن معرفتهم بأهمية الاهتمام بالنابغين وكبار الهمة من الصغار أمر حديث جداً بالنسبة إليهم، بينما هو معروف من بداية الإسلام، أعني: الاهتمام بالنوابغ وبكبار الهمة، وإعدادهم ليحملوا الراية في المستقبل، فرعاية النابغين أهملت في أوروبا وأمريكا حتى بداية القرن العشرين، وقبل ذلك ما كانوا يعرفون شيئاً عن هذا؛ لأن هؤلاء الكفرة الغربيين حتى بداية القرن العشرين كانوا يعتبرون أن العباقرة والنابغين والمتفوقين عندهم نوع من الجنون، وكان هناك رجل يدعى لانبروزو مؤلف كتاب ( Mصلى الله عليه وسلمN OF Gصلى الله عليه وسلمNIVS) ومعناه: (الرجل العبقري)، وهناك كتاب آخر لرجل اسمه نوبست يعني: جنون العبقرية، يعتبر أن العباقرة مجانين، فكانوا ينظرون إلى العباقرة والأذكياء والمتفوقين أنهم مرضى ومجانين، وقد نشر الكتابان في لندن ونيويورك في أواخر القرن التاسع عشر، وأثبت فيهما العلاقة الوثيقة بين العبقرية والجنون، وقدم البراهين على أن النابغين مجانين.
ثم بدأت فكرة الغربيين عن النابغين تتحسن بعد أن نشر (ترمان) كتابه: (الطفل النابغة يرشد)، سنة 1949م فصاروا يتراجعون عن فكرة أن المتفوقين أو العباقرة مجانين، حيث قدم في هذا الكتاب البراهين على أن الأطفال الأذكياء أصحاء نفسياً وجسمياً واجتماعياً، فبدأ يتكون رأي عام يتعاطف مع النابغين، وحتى منتصف القرن العشرين كان الأمريكيون يعتبرون رعاية النابغين ترفاً تربوياً، ولم يبذلوا جهوداً جادة في الكشف عنهم إلا بعد أن أطلق الروس أول مركبة فضاء سنة 1957م، فحينئذٍ أفاق الأمريكان، وشعروا بالخطر من تفوق الروس عليهم، فاتجهوا إلى رعاية النابغين، واعتبروها مسألة حياة أو موت، وجندوا علماء التربية وعلم النفس والاجتماع، وعقدوا المؤتمرات والندوات لتخصيص وتنظيم ورعاية فئات النابغين، وتشجيعهم على إظهار نبوغهم في جميع المجالات؛ حتى نهضوا بأمتهم، وأنشئت في كل ولاية العديد من المعاهد والفصول المتوسطة في رعاية النابغين في جميع المجالات حتى بلغ عددها سبعمائة معهد، تشرف عليها حوالى ثلاثمائة جامعة في أمريكا، كما أسهمت المؤسسات التجارية والصناعية والعلمية في تمويل برامج الكشف عن النابغين ورعايتهم.
الشاهد من هذا: أننا متخلفون عن الإسلام، فانظروا كيف اهتم الإسلام بهذا الأمر من عهد الصحابة إلى عصور الازدهار الأخيرة، وكيف كانوا يجلون النابغين والعباقرة وكبيري الهمة، ويعطونهم عناية ورعاية خاصة.