ثم كان من رحمة الله بالمؤمنين المخلصين أن ألقى في قلوبهم من بعد ما نزل بها من همٍّ وغمٍّ اطمئنانًا وثقة في وعد الله , وكان من أثره نعاس غَشِي طائفة منهم , وهم أهل الإخلاص واليقين , وطائفة أُخرى أهمَّهم خلاص أنفسهم خاصة , وضَعُفَتْ عزيمتهم وشُغِلوا بأنفسهم , وأساءوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه , وظنوا أن الله لا يُتِمُّ أمر رسوله , وأن الإسلام لن تقوم له قائمة , ولذلك تراهم نادمين على خروجهم , يقول بعضهم لبعض: هل كان لنا من اختيار في الخروج للقتال؟ قل لهم - أيها الرسول -: إن الأمر كلَّه لله , فهو الذي قدَّر خروجكم وما حدث لكم , وهم يُخْفون في أنفسهم ما لا يظهرونه لك من الحسرة على خروجهم للقتال , يقولون: لو كان لنا أدنى اختيار ما قُتِلنا هاهنا. قل لهم: إن الآجال بيد الله , ولو كنتم في بيوتكم , وقدَّر الله أنكم تموتون , لخرج الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون , وما جعل الله ذلك إلا ليختبر ما في صدوركم من الشك والنفاق , وليميز الخبيث من الطيب , ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس في الأقوال والأفعال. والله عليم بما في صدور خلقه , لا يخفى عليه شيء من أمورهم.
وقال تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً}
الأحزاب 61
مطرودين من رحمة الله , في أي مكان وُجِدوا فيه أُسِروا وقُتِّلوا تقتيلا ما داموا مقيمين على النفاق ونشر الأخبار الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد.