التعاون ظاهرة مرضية تعبر عن جنوح مرحلي لم تلبث جماهير (المسجد) أن عملت على تقويمه وتصحيحه.

لقد تعاقب على حكم الجزائر عدد كبير من (البايات والدايات) بداية من الإخوة ذوي اللحى الشقراء، وحتى نهاية الحكم العثماني، بعضهم تألق في سماء قيادة الجهاد، وبعضهم قصرت همته عن بلوغ مرتبة قيادة الجهاد. غير أن تيار الجهاد بقي قويا وثابتا، لم يتأثر بتغير الحكام ولم يتحول بتأثير الصراعات الداخلية، ولم يضعف بتأثير الانتكاسات. وبقي (تيار المسجد الجامع) هو التيار المهيمن على الجمهور المسلم، وهو الموجه للحكام على اختلاف قدراتهم وتباين إمكاناتهم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن (تيار المسجد) هو الذي أزال كل التناقضات الداخلية وصهرها جميعها في تيار واحد (هو تيار الجهاد في سبيل الله) لا فارق في ذلك بين تركي وعربي؛ ومغربي وغير مغربي، فكان في ذلك بعض عدة المجاهدين فيما حققوه من انتصارات متتالية. وقد يكون من غير الضروري بعد ذلك البحث في فضائل (تيار المسجد - الجامع) بالمحافظة على تقاليد الجهاد، فالصبر على المكاره، واحتمال كره القتال، والاستعداد الدائم للقتال والإعداد له، والصلابة والتصميم حتى بلوغ النصر الكامل والثبات في مواطن الشدة والخطر كل ذلك هو بعض الفضائل الإسلامية التي تشكلت منها (العقيدة القتالية الإسلامية) والتي أبرزتها صفحة الجهاد على أرض المغرب العربي - الإسلامي والحروب البحرية.

بنتيجة ذلك كله، لم تكن حروب الجزائر حروبا نظامية في مفهومها الحديث - بقدر ما كانت نوعا من الحروب الثوروية الحقيقية

التي طبقت فيها أساليب الحرب النظامية، واستخدمت فيها أسلحتها، فكانت نموذجا متقدما للمزج بين طرائق الحرب النظامية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015