أقبل صباح يوم 7 كانون الثاني - يناير - 1957 وقد مضى على الحصار ثمانية أيام. ولا زال المجاهدون في ملجئهم من الكهف، ولا زال الموقف خارج الكهف كما كان عليه. غير أن قوة المجاهدين قد استنزفت وأصابهم التسمم، فاضطجعوا جميعا وهم في حالة من الإغماء، وظهر واضحا أنهم اقتربوا من حافة الموت. وجلس (سي الشيخ) إلى صديقه الوفي ومعاونه (رباح شايب) وإلى بعض إخوته المجاهدين الذين أمكن لهم حتى الآن المحافظة على تماسكهم وتجلدهم وصحوهم. وفي هذه الجلسة، أخرج (سي الشيخ) من محفظته ثلاثة ملايين فرنك فرنسي (ثلاثين ألف دينار جزائري حاليا) كما أخرج مجموعة من الوثائق والرسائل وبطاقة هويته الشخصية وذلك من أجل إحراقها جميعا. وكان هذا المبلغ من المال قد تجمع من اشتراكات مجاهدي الإقليم ثم عمل على تحطيم مسدسه الرشاش على كتلة الصخور، وكذلك فعل بمسدسه وببقية الأسلحة التي تجمعت في الكهف، حتى أنه حطم ساعة يده. لقد أراد عدم تسليم شيء من الغنائم للعدو. ثم توجه لإيقاظ أخيه (بن عمار) والذي كان تلميذه في الوقت ذاته، وطلب إليه أن يتزوج زوجته (رحمه) في حالة استشهاده، وتبني الولد الذي ستلده زوجته. ثم نهض فصلى بالجماعة، وتوسل إلى من بقي في حالة من الصحو الخروج لمقابلة العدو، وشرح حالة الإغماء التي أصابت اللاجئين إلى الكهف. وقال لهم: (عليكم عدم الاهتمام بأمري، أو الانشغال بمصري. قولوا لهم بشأني كل ماترونه مناسبا لإنقاذكم. أما بالنسبة لي، فإنهم لن يحلموا برؤيتي حيا، إنني سأقتل واحدا منهم وسأموت).
***