جدرانه في كثير من جنباتها واقتحموا المبنى فلم يجدوا فيه إلا الجثث الممزقة والمتناثرة بين حطام الأثاث. وألقت قذائف البازوكا على أحد البيوت، فأحدث انفجارها دويا هائلا، وارتفعت ألسنة اللهب تشق عنان السماء، فعرف المجاهدون أنه كان مستودعا للذخيرة، وعلى نور القمر والضوء الساطع الذي أحدثته النيران المشتعلة في المركز، أصبح باستطاعة المجاهدين رؤية جماعات الجنود الافرنسيين بوضوح تام. وكان هؤلاء يحاولون الفرار فتسبقهم رصاصات المجاهدين وترديهم فورا. واستيقظ المدنيون الجزائريون الذين أرغموا على الاقامة في (مركز عين الزرقة) وقد تحول الليل نهارا، واندفعوا بفرح لم يشعروا بمثله منذ سنوات طويلة، وهم يحملون معهم أطفالهم، لينطلقوا إلى خارج المعسكر، بانتظار انتهاء مجاهدي جيش التحرير من تنفيذ واجباتهم، والانتقال معهم بعيدا عن جو الذل والهوان.
وفي الوقت الذي كانت فيه إحدى وحدات المجاهدين توجه المدنيين نحو الطريق الذي يجب اتباعه، كانت وحدة أخرى تتابع تنفيذ مهمتها في جمع الغنائم التي خلفها العدو، وكانت هناك وحدة تواجه بمدافعها ورشاشاتها رتلا من الدبابات الإفرنسية التي جاءت لنجدة المركز، فأرغمت على الفرار بعد أن تركت فوق أرض المعركة دبابتين محترقتين. وهكذا سيطر مجاهدو جيش التحرير سيطرة كاملة على مركز (عين زرفة) ثم غادروه مع مطلع النهار حاملين أسلحتهم وذخائرهم التي غنموها من العدو، وبرففتهم المدنيون الذين تحرروا ليبدأوا حياة جديدة.