كذلك في هذا الحديث: استعمال المال لتأليف قلوب الكفار: النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه أبو محذورة أعطاه صرة فيها شيء من فضة، وكان عليه الصلاة والسلام يستخدم المال في تأليف قلوب الكفار، ودخل في الدين أناس كثيرون بسبب التأليف بالمادة، ثم بعد ذلك خَلُصت نياتهم وأصبحوا صالحين، وأصبحوا يدفعون المال في سبيل الله.
فأحياناً الواحد يكون مدخله إلى الدين المادة، ثم يهديه الله فيصير من المنفقين في سبيل هذا الدين ونشره.
فلا مانع أن يكون المدخل مادياً، مثل سهم المؤلفة قلوبهم، ثم بعد ذلك تتحول النيات وتتغير، ويصبح الشخص هو الذي يعطي من جيبه.
مثل الداعية إلى الله ربما ينفق على شخص من جيبه، ويدعوه إلى طعام، ويخدمه، وينفق عليه من المال، فإذا اهتدى هذا الشخص صار هو الذي ينفق على الآخرين، وهو الذي يعطي في سبيل الله، ويفعل مثل ما فُعِل معه.
ولذلك فإن استخدام المال للدعوة ونشر الدين أمر في غاية الحكمة، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما وجدنا في هذه القصة.
ثم كذلك: أهمية الدعاء بالبركة: قال: (بارك الله فيك).
ثم إن من فوائد هذه القصة أيضاً: أن الإنسان إذا كان عدواً للدين، مستهزئاً بشعيرة من شعائره، فإن من كفارة ذلك أن يقوم بعمل ديني يخدم به الدين؛ فهذا أبو محذورة لما هداه الله قال: (قلتُ: يا رسول الله! مُرْني بالتأذين بـ مكة) أي: الآن أنا مستعد أن أؤذن، وأنا أطلب منك أن تجعلني مؤذناً بـ مكة (فقال: قد أمرتك به، وذهب أبو محذورة إلى عتاب بن أسيد) وعتاب هو أمير مكة من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، لما فتح مكة ولَّى عليها عتاب بن أسيد، وكان رجلاً شاباً مُبَكراً في السن، لكن عنده قدرات كبيرة، ولاه على قريش في مكة، فصار عتاب الأمير والإمام، وأبو محذورة هو المؤذن، وسبحان الله! كيف ينشأ جيل جديد في الدعوة، فهذه مكة التي كانت تنجب الفجرة الكفرة أعداء الدين، خرج من أصلابهم مَنْ عبد الله، وأذَّن، ونشر التوحيد، بعدما كانوا ينشرون الكفر.