حكم نظر المرأة للرجال الأجانب والرجل للنساء الأجنبيات

هنا تثار مسألة فقهية نتناولها على وجه السرعة ألا وهي: حكم نظر المرأة إلى الرجال الأجانب.

فمن العلماء من يشدد ويهول في نظر المرأة إلى الرجال الأجانب، ويشدد في نظر الرجل إلى النساء الأجانب.

فأيهما أعظم: نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي أو نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية؟ النصوص والتقارير تفيد في الجملة أن الكل ممنوع؛ وذلك لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] ، ولما رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فقال: اصرف بصرك) .

وورد بإسناد ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وعليك الآخرة) .

وورد بإسناد أشد ضعفاً بل هو تالف وإن كان المعنى صحيحاً ألا وهو: (النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من اتقاها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه) وقد أخرجه الطبراني بإسناد ضعيف واه، لكن معناه ثابت صحيح.

هذا بالنسبة لمسألة النظر على وجه الجملة، والوارد فيه من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وأيضاً: (كان النبي صلى الله عليه وسلم متجهاً من عرفات إلى مزدلفة في الحج، وقد أردف خلفه الفضل بن عباس وكان رجلاً وسيماً وضيئاً، فكان خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت امرأة من خثعم -أي: من قبيلة خثعم- وكانت أيضاً حسناء وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض مسائلها، فطفق الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فحول الرسول صلى الله عليه وسلم وجه الفضل) .

ولم يرد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغض بصرها في هذا الحديث، لكن النصوص الأخرى العامة كقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] ، وقوله: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] تفيد الأمر بالغض.

فنرجع إلى مسألتنا: أن من العلماء من قال: إن الأمر الموجه للنساء بغض البصر أخف منه بالنسبة للرجال؛ وذلك لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تنظر إلى الأحباش في المسجد وهم يلعبون، والنبي صلى الله عليه وسلم يحملها ويضع خده على خدها، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية النسائي بسند صحيح: (يا حميراء تشتهين تنظرين؟ فتنظر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى الأحباش وهم يلعبون، حتى كانت هي التي ملت) .

أما الحديث الوارد الذي فيه: (أن ابن أم مكتوم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده بعض أزواجه، فأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بغض البصر، فقلن: يا رسول الله، إنه رجل أعمى، فقال: أفعمياوان أنتما؟) فهو حديث ضعيف الإسناد من طريق نبهان مولى أم سلمة وهو ضعيف.

وفي الباب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) فلا شك أنها كانت ستراه أو كانت تراه؛ لأنها تعتد في بيته.

هذا بالنسبة لما ورد في مسألة النظر.

إذاً: محل نظر النساء إلى الرجال عند أمن الفتنة، ويرجع بعض العلماء إلى قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] فكلمة (من) المراد منها التبعيض: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ} [النور:31] أي: يغضضن بعض أبصارهن؛ لأنه يباح للمؤمنات أن ينظرن إلى أشياء، فيباح للمرأة بل يستحب لها أن تنظر إلى زوجها كي تعف نفسها، ولها أيضاً أن تنظر إلى محارمها إذا أمنت الفتنة، ولها أن تنظر إلى الرجال عموماً إذا كان الفتنة مأمونة، أما إذا كانت النظرة ستجر إلى فتنة، فالنظرة من أصلها تمنع، والله لا يحب الفساد.

ولكون عائشة رضي الله عنها نظرت إلى الأحباش وهم يلعبون، قال بعض العلماء: إن الخطب في شأنهن يسير شيئاً ما إذا كانت الفتنة مأمونة، لكن على الإجمال فالمستحب لهن غض البصر إلا لما دعت إليه الحاجة، فإن الله وصف نساء الجنة بأنهن قاصرات الطرف أي: يغضضن الأبصار إلا عن الأزواج.

{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] .

الطمث: هو الافتضاض، أي: افتضاض الأبكار، وهو الجماع مع نزول الدم كما هو معلوم.

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] تجوز بعض العلماء وأطلق الطمث على كل جماع، سواء صحب هذا الطمث بافتضاض أو كان مجرد جماع أطلق عليه طمث، وإذا أطلقت الطامث على الحائض فيقولون: امرأة حائض، وامرأة طامث، كل ذلك يعني: أنها حائض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015