(وَقَالُوا) أي: عن نوح صلى الله عليه وسلم (مجنون) ، وهي مقولة يوسم بها كل من سلك طريقه إلى الله سبحانه، وكل من وحّد الله ودعا إليه وسلك سبيله، وسلك سنن رسله عليهم الصلاة والسلام، يُتهم بالتخلف العقلي وبالجنون، وفي الوقت ذاته يصفون أنفسهم بالتقدم وبالرقي، ويصفون مخالفيهم بالتأخر والرجعية، وخفي على هؤلاء أن التقدم هو التقدم الذي يقربنا إلى الله سبحانه، والتخلف هو التخلف الذي يصدنا عن طريق الله وعن سنة رسوله، ويؤخرنا عنها، وأن الرقي هو الرقي في درجات الجنان، وأن الهبوط والانحدار هو الهبوط إلى الجحيم، والعياذ بالله! قال سبحانه: {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} [القمر:9] أي: وزجر نوحٌ صلى الله عليه وسلم من قومه أبلغ الزجر، وانتهروه غاية الانتهار، وأغروا به السفهاء، وسلطوا عليه الحمقى والصبيان، يرمونه بالبعر، ويضربونه بالأحجار صلى الله عليه وسلم.