فلو قلنا: إن المراد من هذا كله تذكير الناس بمصارع الظالمين والطغاة، وبإنجاء الله للمؤمنين؛ فحينئذٍ يوجَّه سؤال ويُطرح: هل لنا حينئذٍ أن نزور مصارع القوم الظالمين بقصد الاعتبار والاتعاظ؟ يعني: إذا علمنا مثلاً أن قوماً ما أهلكهم الله، فهل لنا أن نزورهم؟ ومن ثم تأتي مسألة زيارة الأهرامات وغيرها من آثار أهل الظلم والكفر والفراعنة، هل تُشرع الزيارة للاتعاظ والاعتبار أم أنها من أصلها لا معنى لها؟ القائل بالجواز يستدل ويبني قوله على أمور، منها: قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} [الروم:42] ، وكما قال سبحانه: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] ، {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً} [القمر:15] إلى غير ذلك من الآيات التي فيها الأمر بالسير في الأرض للاعتبار والادكار.
ولقائل آخر أن يمنع مستدلاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه لأصحابه لما مر بديار ثمود: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم) ، فهذا الحديث يمنع من الدخول عليهم بقصد النظر، إنما فقط يجوز الدخول عليهم مع الحالة المصاحبة لك من الخوف والبكاء أو التباكي، وللاتعاظ والاعتبار، فيقال: إن الأصل هو المنع، إلا إذا كنت باكياً كما أشار إليه حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
فهذا وجهٌ آخر أيضاً وهو قويٌ، والمسألة لا تخلو من الأخذ والرد، لكن الذي يذهب فقط للإعجاب بحضارة الكفار الفراعنة، ثم يرجع معجباً بهم، ومتغنياً بتراثهم، فهذا يُخشى عليه أن يلحقه -والعياذ بالله- شعبة من النفاق، أو شعبة من محبة الكفر والكافرين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال سبحانه: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:15] ، أي: فهل من متعظ؟ وهل من معتبر؟