قال تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:62] ، هذه الآية الأخيرة قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه فسجد وسجدوا ومن كان معهم من المشركين، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية بالمدينة كما في حديث زيد بن ثابت، فلم يسجد فيها صلى الله عليه وسلم.
هذه الآية قرأها النبي بمكة كما في حديث ابن مسعود وسجد صلوات الله وسلامه عليه فيها، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث زيد بن ثابت في البخاري أيضاً ولم يسجد فيها.
فمن العلماء من قال: إن السجود كان مشروعاً فيها بمكة ونسخ في المدينة، ومنهم من أبى النسخ وقال: بل تركه صلى الله عليه وسلم لبيان جواز عدم السجود فيها، وأما الأمر فهو على الاستحباب لا على الإيجاب.
وهذا هو الأصح على ما يظهر من تصرف أمير المؤمنين عمر، إذ قد قرأ أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه سورة النحل، فجاء إلى السجدة التي فيها وكان يخطب على المنبر فنزل عن المنبر وسجد وسجد المسلمون معه، ثم لما كانت الجمعة المقبلة قرأها أمير المؤمنين عمر فتهيأ الناس للسجود فقال: يا أيها الناس! إنا نمر بالآية فيها السجدة، فمن سجد فهو حسن ومن لم يسجد فلا شيء عليه، وترك أمير المؤمنين عمر السجود في آية النحل التي سجد فيها في الجمعة السابقة.
فالذي يترجح: أن سجود التلاوة سنة مستحبة وليس بواجب، واستنبط العلماء من سجود النبي صلى الله عليه وسلم وعموم أصحابه وسجود المشركين معه استبعاد أن يكونوا كلهم على وضوء آنذاك، وأن سجود التلاوة لا يلزم له وضوء، إذ يصعب ويشق أن يقال إن الجميع كانوا على وضوء.
وهل يهوي الشخص إلى سجود التلاوة مكبراً أو يسجد بدون تكبير؟ الأمر في ذلك واسع.
أما بالنسبة لهذا السجود في الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ورد عنه حديث فيه ضعف من حديث عبد الله بن عمر العمري عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر عند الهوي لسجود التلاوة، واستؤنس لهذا التكبير بعموم الصفات المروية لصلاة رسول الله أنه كان يكبر عند كل خفض ورفع، فأُخِذ من هذا العموم مع خصوص حديث عبد الله بن عمر العمري إثبات مشروعية التكبير عند الهوي لسجود التلاوة، أما خارج الصلاة فالأمر فيها واسع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد ثبت أن النبي سجد في هذه السجدة كما قدمنا، وترك السجود فيها أيضاً، وثبت أنه سجد في سجدة (ص) ، وثبت أنه سجد في الانشقاق، وكذلك في العلق، وما وراء ذلك من السجدات فموقوفات على أصحاب رسول الله.
وانعقد الإجماع على بعضها كالإجماع المنقول في سجدة فصلت (حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
ونقل بعض العلماء الإجماع على السجود في سجدة (ألم * تنزيل) خارج الصلاة، وفي داخل الصلاة اختلفوا هل يُسجد فيها أو لا يُسجد؟ على قولين لأهل العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم.