وقال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور:48] هذه الآية تصبِّر النبي صلى الله عليه وسلم أيما تصبير، وتطمئنه غاية الاطمئنان، وقوله تعالى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] قال فريق من أهل العلم: على مرأى منا، فنحن نراك ونرى ما يصيبك، ونحن نحفظك، ونحن مطلعون عليك، فما يحدث لك ليس بغائب عنا، وليس بخافٍ علينا، {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] أي: بحفظنا، وليس المراد بهذا التأويل نفي صفة العين لله، وإنما إثباتها مع بيان آثارها، كقول الرجل للآخر في الحياة الدنيا: ولدك في عيني، أي: اطمئن على ولدك فهو بإذن الله في حفظي بعد الله سبحانه، فأنا أرعاه وأحيطه بالنصح وبالتوجيه، فالله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] .
وقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور:48] للعلماء في تفسير قوله تعالى: {حِينَ تَقُومُ} [الطور:48] أقوال، منها: حين تقوم إلى الصلاة، فإذا قمت إلى الصلاة فاستفتح الصلاة كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستفتح: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) .
ومن العلماء من قال: حين تقوم من المجلس، قل: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
ومن العلماء من قال: حين تقوم من نومك صل لله سبحانه وتعالى، فالآية فيها: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور:48] .
والآية أفادت شيئاً أفادته غيرها من الآيات وهو: أنه يستعان على الشدائد والمصائب بالصبر والصلاة، وهذا الأصل قد أُكد عليه في عدة آيات وأحاديث، فيستعان على المصائب والشدائد والبلايا بشيئين: بالصبر وبالصلاة، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور:48] أي: لقضاء ربك، اصبر على قضاء ربك، {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الطور:48] ، قال فريق من أهل العلم: أي صل، وهذا المعنى مذكور في قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر:97] فما العلاج؟ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:98-99] أي: اصبر على عبادة ربك حتى يأتيك اليقين.
وهذا المعنى كذلك في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130] ، ومن الآيات ما هو أصرح كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:153] ، وقال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] وقد فعل ذلك سلفنا الصالح رحمهم الله، فكان ابن عباس في سفر له، فلما أتاه خبر أخيه قثم بن العباس، فقيل له: إن أخاك قد مات، فتنحى عن الركب وقام يصلي، فقيل له: لماذا تصلي وقد بلغك خبر موت أخيك؟ قال: إن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:153] ، وقال الله: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] .
فهذا أصل أُكد عليه في آيات كثيرة، ولما دخلت سارة عليها السلام على الجبار قام الخليل إبراهيم عليه السلام يصلي، فحينئذٍ إذا كان ذلك كذلك فليثبت الشخص مع هذا الأصل، وليداوم عليه عند الشدائد، فهو سلاحه، وهو معينه بإذن الله، ألا وهو الاستعانة بالصبر وبالصلاة، قال الله سبحانه وتعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور:48] أي: اصبر لقضاء ربك، {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] نحن نتولاك ونرعاك.
قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [الطور:48-49] أي: فصل له في الليل، كما قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79] ، وقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور:49] ، من العلماء من قال: إن المراد بإدبار النجوم: الوقت الذي أدبرت فيه النجوم، وسيأتي بعده النهار.
ومنهم من حمل ذلك على ركعتي الفجر؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) .
ومنهم من حمله على صلاة الفجر؛ لقوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78] .
ومن العلماء من حمله على ركعات قبل الفجر، عندما توشك النجوم على الإدبار؛ لأن الله قال: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور:49] أي: عقب ذهاب النجوم، والكل محتمل، وله وجه من الصحة، والله أعلم.