ثم قال: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [يوسف:59] ، فتمدح نفسه بصفتين: أولاهما: أنه يوفي الكيل، وهذه صفة محمودة، وقد ذم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الذين يطففون المكاييل والموازين وتوعدهم بأشد الوعيد، قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:1-6] .
وأمر الله سبحانه وتعالى بإيفاء المكاييل والموازين في عدة سور من كتابه، فقال تعالى: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الشعراء:181-183] .
وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن:9] ، وبعث الله نبياً من أنبيائه كان محور دعوته بعد الدعوة إلى التوحيد: الأمر بإيفاء المكاييل والموازين، ألا وهو نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام.
فيوسف صلى الله عليه وسلم قال لإخوته: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [يوسف:59] ، أي: خير من أكرم الأضياف، وهذا ثناء على النفس احتيج إليه في هذا المقام لعلة من العلل، فلا بأس بالثناء على النفس أحياناً، وقد قدمنا ما يفيد ذلك عند تأويل قوله تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55] .