أما قوله: {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [يوسف:59] ، أي: خير من أكرم الأضياف وأنزلهم منازل حسنة، فإكرام الضيف من سنن المرسلين ومكارم الأخلاق، ومن ثم قال الله سبحانه في شأن إبراهيم عليه السلام: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:26-27] ، وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، وقال عليه الصلاة والسلام كذلك: (أيما رجل نزل بقوم فلم يقروه كان له أن يأخذ منهم بقدر قراه) ، أي: بقدر الذي ينبغي للضيف، وما زالت العرب والشعراء يثنون على من أكرم الأضياف، فيثني بعضهم على آل عبد المطلب قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: المطعمون اللحم كل عشية حتى تغيب الشمس في الرجاف والرجاف: البحر، وما زال الناس يذمون البخلاء؛ بل ذمهم الله في كتابه، وذمهم النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني عمرو بن الجموح من سيدكم؟ قالوا: سيدنا الجد بن قيس على أنا نبخله يا رسول الله! قال: وأي داء أدوى من البخل، بل سيدكم فلان) ، فاختار لهم سيداً آخر غير هذا السيد البخيل.
وقد قال شاعر يذم بخيلاً: رأيت الفضل متكئاً يناجي الخبز والسمكا فقطب حين أبصرني ونكس رأسه وبكى فلما أن حلفت له بأني صائم ضحكا وما زال الناس يذمون البخلاء؛ فيوسف عليه السلام لم يكن ببخيل صلى الله عليه وسلم، بل قال عن نفسه: (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ) ، وكيف لا وجده الخليل إبراهيم عليه السلام من أوائل من أكرم الأضياف صلى الله عليه وسلم، وأحسن منازلهم وأكرهم مثواهم إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وكما يقول العلماء: إن العرق نزاع، فيوسف صلى الله عليه وسلم اقتبس كرماً من كرم آبائه وأجداده عليهم الصلاة والسلام، واقتبس حلماً من حلم آبائه وأجداده صلى الله عليهم وسلم، واقتبس إيماناً من إيمان آبائه وأجداده عليهم الصلاة والسلام، وقال الله تعالى في شأن قوم من الأنبياء الفضلاء: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:34] ، أي: في الخير والصلاح.