قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171] : الخطاب هنا موجه للنصارى بالدرجة الأولى، ولقائل أن يقول بالتعميم وأن اليهود يدخلون فيه أيضاً، لكن السياق موجه للنصارى بدلالة قوله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ} [النساء:171] ؛ لأن النصارى غالت في عيسى عليه الصلاة والسلام أشد الغلو.
(لا تغلوا) : الغلو هو تجاوز الحد، ومنه: (غلا السعر على عهد رسول الله) ، أي: ارتفع السعر وتجاوز الحد، فقوله: {لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171] أي: لا تتجاوزا الحد في دينكم.
فطريق الاستقامة فوقه طرق ضلالة وتحته طرق ضلالة وهو وسط بين هذه الطرق، فهم تجاوزوا الحد في شأن عيسى، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، عليكم بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان) ، فالشيطان يغري الشخص، فيعظم النبي حتى يخرج من حد التعظيم إلى حد تأليه الرسول عليه الصلاة والسلام، فيخرجك إلى حد الشرك والعياذ بالله، وتجعل البشر شريكاً لله سبحانه وتعالى.
فالغلو قد يكون بالزيادة في الحق.
ومن العلماء من قال أيضاً: إن الغلو قد يكون بالنقص من الحق كذلك، ومن ثم قال القرطبي: إن الآية عامة في أهل الكتاب يهوداً ونصارى، قال: أما غلو النصارى فكان في تأليه عيسى عليه الصلاة والسلام، وأما غلو اليهود فكان بالطعن في عيسى عليه الصلاة والسلام، فاتهمت اليهود عيسى بأنه ابن زنا، والنصارى قالوا: هو الله.
فـ القرطبي رأى أن الغلو يشمل الإفراط ويشمل التفريط، وغيره من العلماء قالوا: الغلو هو المبالغة في التعظيم.