قوله تعالى: {إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء:169] .
(إلا) إلا هنا هل هي من الاستثناء المنقطع؟ أي بمعنى: لكن يهديهم إلى طريق جهنم، أو من المتصل، فيكون المستثنى من جنس المستثنى منه؟ كلاهما له وجه: فإذا قلت: إن الطريق هنا عامة تشمل جميع الطرق فسيكون الاستثناء من نفس الباب، فإن طريق جهنم هي إحدى الطرق، فتدخل عموم الطرق، وإن قلت المراد بالطريق في قوله: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء:168] طريق الهداية، فسيكون استثناء من غير جنس المستثنى منه، كما قال القائل: وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس أو: جاء القوم إلا حماراً، فالحمار ليس من جنس القوم، فالحكم على الاستثناء أنه استثناء منقطع -أي من غير جنس المستثنى منه- يبنى على تفسير الطريق، فإن قلت الطريق في قوله: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء:168] تشمل كل الطرق، فالاستثناء غير منقطع، أي: إلا طريق جهنم أحد أجناس الطرق، أما إن قلت: لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً من طرق الهداية، فيكون الاستثناء منقطعاً، وتكون إلا بمعنى: لكن.
وقوله: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء:168] الهداية هنا هداية الدلالة بأن يدلهم، وهداية التوفيق أيضاً، أي: لم يكن الله ليوفقهم إلى طريق من طرق الهداية.