كيفية الجمع بين قوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا) وبين الواقع من إيمان بعضهم

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء:168] كيف ذلك وهناك كفرة وظلمة قد هداهم الله سبحانه، فكيف يوفق بين الآية الكريمة: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء:168] وبين الواقع الذي حدث وأنه قد آمن أقوام كفرة ظلمة؟

وصلى الله عليه وسلم أن الآية محمولة على الذين كتب عليهم الشقاء وهم في بطون أمهاتهم، أي: فالذين كتبت عليهم الشقاوة وهم في بطون أمهاتهم {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء:168] أي: سيموتون على الكفر ولم يغفر لهم، وهم الذين غلبت عليهم شقوتهم كما قالوا: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:106] .

وقولهم: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:106] أي: غلبت علينا الشقاوة المكتوبة علينا ونحن في بطون أمهاتنا، كما عليه جمهور المفسرين في هذه الآية، فجمهور المفسرين في تفسير قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:106] قالوا: الشقاوة التي كتبت عليهم وهم في بطون أمهاتهم عن طريق الملك لما كتب شقياً أو سعيداً.

ونحوها قوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:68] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) .

أما القرطبي فقد سلك في تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:106] مسلكاً خالف فيه الجمهور وقال: غلبت علينا اللذات والأهواء حتى آلت بنا إلى الشقاوة، ولكن الجمهور خالفوه على النحو الذي ذكرنا.

فقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء:168] محمولة على الذين كتب عليهم أن يموتوا على الكفر، فيخرج منها الكفار الذين أراد الله لهم الهداية.

ومن العلماء من أول تأويلاً آخر فقال: إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ما داموا قائمين على كفرهم وظلمهم، ولا ليهديهم سبيلاً إلا إذا سلكوا طريق الهداية، فالله يقول: (من تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015