قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء:136] لأهل العلم في ذلك أقوال: القول الأول: أن المراد بالذين آمنوا: الذين صدقوا محمداً عليه الصلاة والسلام، فقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء:136] أي: اثبتوا على إيمانكم وازدادوا إيماناً، فأفادت الآية على هذا القول من التأويل أن الإيمان يزيد، وقد قال تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4] ، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17] {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة:124] .
فـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء:136] أي: طلب لزيادة الإيمان وللثابت على الإيمان.
القول الثاني: أن المراد الذين آمنوا من أهل الكتاب، أي: يا أيها الذين آمنتم بعيسى وبموسى عليهما السلام آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
القول الثالث: أنها في أهل النفاق، أي: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ولما يدخل الإيمان إلى قلوبهم، بادروا وادخلوا الإيمان إلى قلوبكم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} [النساء:136] لكن سياق الآية يجعل الحمل على أهل الكتاب أولى، أي: فيا من آمنتم بعيسى، ويا من آمنتم بموسى آمنوا بالله وبرسوله محمد، وبالكتاب الذي نزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن سورة النساء نزلت في المدنية، والذين كانوا فيها يهود، وكان فيها أهل كتاب.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء:136] : الكتاب قد يأتي اسماً مفرداً وقد يأتي ويراد به الجنس، فقوله: {وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء:136] : يعني والكتب التي نزلت من قبل.
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:136] أي: من يكفر برسول الله فقد كفر بعموم الرسل، ومن يكفر بملك فقد كفر بجميع الملائكة، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:136] والضلال: الذهاب عن القصد، فمعنى ضل ضلالاً بعيدا: ذهب مذهباً بعيداً عن طريق الصواب.
والله أعلم.