وهل يستحب للشخص أن يبادر ويشهد إذا رأى شيئاً، أو يستحب له أن يصمت ولا يشهد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يُسْأَلَها) وقال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يأتي أقوام يشهدون ولا يستشهدون) أي يشهدون بدون أن تطلب منهم الشهادة، فهم قوم سوء؛ فكيف نجمع بين الحديث الأول والحديث الثاني؟ قوله عليه الصلاة والسلام: (خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) ، هذا في الشهادة التي بها تقام الحقوق، وستضيع الحقوق إذا لم تشهد، مثلاً: أنت رأيت شخصاً يقتل آخر، ثم انصرف القاتل، وأنت الشاهد، فأنت إذا سكت ضاع دم المسلم، لكن إذا جئت وقلت: يا ناس! إن فلاناً قتل فلاناً؛ تشهد على ذلك، فأنت بشهادتك حفظت الاثنين، فإن القاتل إما أن يقتل فيكون قتله كفارة له وإنجاءً له من عذاب الله سبحانه، لأن الحدود كفارات لأهلها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له) وتكون أيضاً قد حفظت لأخيك المقتول حقوقه.
فقوله: (خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) يحمل على ما إذا كانت الحقوق ستضيع، وجبن الناس عن الإدلاء بالشهادة وما بقي إلا الشهادة التي ستقوم أنت بها، فحينئذٍ إذا تقدمت بالشهادة فأنت خير الشهداء إذا جبن الناس.
أما حديث: (يشهدون ولا يستشهدون) فمحمول على القوم الذين يسرعون بالشهادة للمجاملات، ويسرعون بالشهادة طلباً لمتاع الحياة الدنيا، ويسرعون بالشهادة أيضاً ويكذبون فيها، فكل ذلك وارد، والله وتعالى أعلم.