أما طاعة الولاة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني) هذا بالنسبة لولاة الأمر، لكن إذا أمر ولاة الأمر بأمر مخالف لكتاب الله أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينئذٍ لا طاعة لهم، فإن الله يقول: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28] ، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على جيش، وأوصى الجيش بطاعة الأمير، وقيل إنه عبد الله بن حذافة السهمي فلما كان ببعض الطريق قال لأصحابه: ألم يأمركم صلى الله عليه وسلم بطاعتي؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً، فجمعوا له حطباً، فقال: أججوا فيه النار، فأججوا فيه النار، ثم قال لهم: اقتحموها، فترددوا، ففريق يقول: أمرنا النبي بطاعته فلنطعه، وفريق يقول: إنما اتبعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فراراً من النار، والله! لن ندخلها أبداً، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر، فقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده! لو دخلتموها ما خرجتم منها إلا يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف) .
فإذا أمر الأمراء بشيء مخالف لأمر الله فطاعة الله ورسول الله مقدمة على كل الطاعات، والأمر في شأن العلماء كذلك، إذا أتى عالمٌ بشيء يخالف كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام عن اجتهادٍ أو عن غير اجتهاد واتضح لنا أن الدليل من كتاب الله ومن سنة رسول الله خلاف ما يقول؛ لزمنا اتباع الدليل من كتاب الله ومن سنة رسول الله، والآية شاهدة على ذلك: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} أنتم وولاة الأمر {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ، وقد قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى:10] .
وعلى هذا سار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع العلماء ومع الأمراء، فكانوا يقبلون من الأمراء أقوالهم، لكن إذا أتى الأمراء بشيء خلاف كتاب الله وسنة رسول الله لم يقبلوه، فهذا عمر المحدث الملهم، الخليفة البر الراشد لما نهى الصحابة عن التمتع في الحج قام له عمران بن حصين وقال: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وورد التمتع في كتاب الله، فقال رجلٌ برأيه ما شاء، ونحوه قال علي لـ عثمان رضي الله تعالى عنهما، فقول عمر وعثمان رضي الله عنهما كان عن اجتهاد، لكن لما لم ير علي وعمران أن الاجتهاد موافقٌ للدليل ردوا هذا الاجتهاد، وأقبلوا على كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} أي أنتم وولاة الأمر، وهذا قد يرد، فيختلف الأمير أو العالم مع بعض العامة في مسألة، ليس معناها أنه يكفر بها هذا أو ذاك، إنما إن تنازعتم في شيء (فردوه) أي: ارجعوا الحكم فيه إلى الله وإلى الرسول {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} ، والتأويل له عدة معانٍ وقد تقدم الكلام عليها.