هذه السورة تسمى سورة الإخلاص، ومن الناس من يطلق عليها سورة الصمد، وقد جاء في فضلها جملة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (احشدوا، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن.
ثم خرج عليهم فقرأ سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ، ثم دخل، وانتظره الصحابة رضي الله عنهم فقالوا: لعله شُغِل! لعله نزل عليه شيء! ثم خرج لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: يا رسول الله! قلت: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ثم قرأت سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ودخلت، قال: والذي نفسي بيده، إنها تعدل ثلث القرآن) .
قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: وذلك لأن العلماء قسموا القرآن إلى: · أحكام.
·عقائد.
·قصص وأخبار.
فكانت سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] تحمل العقائد، وتخالف بها أمة الإسلام سائر الأمم، فكل الملل وكل الأمم إذا رتبتها من ناحية الأديان تجد لها أكثر من إله، أما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهي تخالف الأمم كلها، فلها إله واحد سبحانه وتعالى، حتى الذين يدرسون الأديان -الآن- في الجامعات الأمريكية وغيرها يقسمون الناس أو العالم كله إلى قسمين: · قسم اتخذ عدة آلهة يعبدها.
·وقسم له إله واحد.
فالمسلمون فقط هم الذين تحت بند من يعبد إلهاً واحداً.
وجاء في فضلها أيضاً: أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة من الغزوات أميراً وكان يصلي بالناس، وكلما صلى صلاة قرأ فيها بسورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] بعد الفاتحة، وإما أنه يقرأ سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] بعد الفاتحة ثم يركع، أو أنه يقرأ سورة بعد الفاتحة ويُتْبِعها بسورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ، أو يقدمها بسورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ، فتضايق أصحابه من ذلك؛ فقالوا له: إما أن تقرأ بسورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وإما أن تقرأ بسورة أخرى، أما كل يوم وكل صلاة تقرأ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فلا! فشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: يا رسول الله! إنها صفة الرحمن وإني أحبها، فقال عليه الصلاة والسلام: حبك إياها أدخلك الجنة) .
وفي رواية أخرى: (أخبروه أن الله يحبه) .
فهذا بعض الوارد في فضلها.
وأيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في: · ركعتي المغرب في الركعة الثانية.
·وركعتي الفجر النافلة في الركعة الثانية.
·وركعتي الطواف في الركعة الثانية.
·والركعة الأخيرة من ركعات الوتر.
·وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ بها مع المعوذات إذا اشتكى، فإذا اشتكى نفث في يديه بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] والمعوذات ومسح بها رأسه وسائر جسده.
·وكان يقرأ بها أيضاً مع المعوذات عند النوم.
·وكان يقرأ بها مع المعوذات صباحاً ومساء.
وقد يقال: وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في صلاة الاستخارة؟!
وصلى الله عليه وسلم أما الاستخارة فلم يثبت فيها قراءة، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها بقراءة معينة؛ لأن الوارد فيها من حديث جابر: (إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك) ، وليس فيها تفصيل.
فحديث جابر في الاستخارة أخرجه البخاري وغيره وهو أصح ما ورد، وهذا لفظه: (إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك) .
وكل حديث ورد في الاستخارة غير حديث جابر فهو حديث ضعيف؛ حتى حديث جابر مع كون البخاري رحمه الله أخرجه إلا أن من أهل العلم من تكلم فيه أيضاً كالإمام أحمد، قال: هذا الحديث رُوي من طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن المنكدر عن جابر، وأهل المدينة إذا كان الحديث غلطاً يقولون: ابن المنكدر عن جابر، وهذا منكَر.
لكن من العلماء من حَمَل قول أحمد: (منكَر) على أنه يريد بها التفرد، كما قال العلماء في ترجمة محمد بن إبراهيم التيمي راوي حديث: (إنما الأعمال بالنيات) .
فالشاهد: أنه لم يصح في الاستخارة خبر إلا هذا الخبر، أما حديث: (اللهم اغفر لي واختر لي) وغيره، فكل ما ورد في الاستخارة من حديث فهو ضعيف.
وعلى ذلك: فالذي يظن أن الاستخارة لا بد أن تتبعها رؤيا من الرؤى يراها في نومه، أو انشراحاً في الصدر، أو أي شيء من ذلك، فليس على هذا دليل؛ وإن حصل فلا مانع من حصوله؛ لكن كونه يسلتزم أن ترى رؤيا فليس هناك دليل يفيد ذلك، إنما الاستخارة دعاء.
فالشاهد: أنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بسور معينة، فإنما هي ركعتان غير الفريضة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالإخلاص إذا اشتكى، ويقرأ بها عند نومه، ويقرأ بها في الصباح والمساء، ويقرأ بها أدبار الصلوات، وبعد صلاة المغرب ثلاثاً، وبعد صلاة الفجر ثلاثاً.
وهناك عدة روايات تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قراءة هذه السورة، ولك أن تتخيل كم مرة كان الرسول يقرأ بها في يومه؟! كان يقرأ كل ليلة عند النوم مع المعوذات (ثلاث مرات) ويقرأ بها بعد كل صلاة.
(فهذه خمس) .
ويقرأ بها أيضاً في الصباح والمساء (ثلاثاً ثلاثاً) .
ويقرأ بها في ركعتي الفجر، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر يومياً، ولم يتركها في سَفَر ولا في حَضَر.
ويقرأ بها في ركعتي المغرب.
فهذه ست عشرة مرة.
أضف إلى ذلك: إذا اشتكى صلى الله عليه وسسلم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يقرأ في كل ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: وأينا يطيق ذلك يا رسول الله؟! قال: إن سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن) .
فالآن ينبغي أن تقرأ بها وأنت في مسجدك، وتقرأ بها وأنت على جنبك، وتقرأ بها في طريقك، لِمَا علمته من فضلها.