من العلماء من أنكر صلاة الضحى، وقال: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى، وأورد بعض الفقهاء هذا الرأي في كتبهم وسكت عنه، وكان من اللائق أن يسترسل في توجيهه إن استطاع أن يوجهه أو إبطاله إذا احتاج الأمر إلى إيقاف، أما توجيه هذا الكلام وتسنيده فيتلخص في أمور: أولها: أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم منها سنن قولية أو فعلية أو تقريرية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها وحث عليها، سواء فعلها أو لم يفعلها، ما دام قد حث عليها، فثبتت بهذا الحث سنية ومشروعية صلاة الضحى.
ثانيها: أنه قد ثبت عن رسول الله أنه صلى الضحى، فقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: كان يصلي أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله له أن يزيد) .
وورد من حديث علي عند ابن خزيمة: (أن النبي كان يصلي الضحى) .
وورد أيضاً أن عتبان بن مالك رضي الله عنه: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة في بيته، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ضحى، فقال له: أين تريد أن أصلي في بيتك؟ فأشار إليه إلى المكان الذي يريد أن يصلي فيه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وصف الصحابة خلفه، وصلى بهم ركعتين، وكان ذلك ضحىً) ، أخرجه البخاري ومسلم.
وثبت من حديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عام الفتح ثمان ركعات، وكان ذلك ضحىً) .
ومن المقرر أن المثبت مقدم على النافي، فإذا جاء صحابي ونفى شيئاً، وأثبته صحابي آخر، فالمقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي، فمثلاً قال بعض الصحابة: من حدثكم أن رسول الله بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالساً.
فهذا الحديث، فيه نفي من بعض الصحابة، ولكن ثبت من حديث حذيفة في صحيح البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) ، وهذا حديث آخر مقابل ذلك الحديث.
فالصحابي قد يفتي بما يعلم أو أن ينقل ما رآه، لكن لا يكون علمه قد أحاط بكل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك: قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) ، وثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة) ، فالمثبت يقدم قوله على قول من نفى، إذ مع المثبت زيادة علم.
فيقال لمن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الضحى: قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى الضحى.
فالوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم حث عليها، وحثه كفعله أو أقوى من فعله، إذ الفعل قد يتجه إليه القول بأنه مخصوص، أي: أنه خاص برسول الله، لكن الحث وأمر الغير أو أمر الآخرين أقوى من مجرد الفعل.
والثاني: أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك.
أما قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الضحى، فيوجه قوله على الوجوه التالية: الوجه الأول: أن هذا القائل قد ينقل بناءً على ما علمه، فلما لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى، ظن أنه ما صلاها قط، فنقل هذا النقل، وتتبعه غيره فأثبته.
والوجه الثاني: أنه قد يقال: إن هذا الصحابي الذي نقل ذلك أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحافظ على صلاة الضحى وإن كان قد صلاها.
ومن العلماء من يجيب على ذلك أيضاً فيقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتزئ كثيراً لصلاة الليل عن صلاة الضحى، والله أعلم.