قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] ، رفع الله للنبي ذكره بماذا؟ رفع له ذكره بهذا القرآن أولاً، فقد قال الله عن القرآن: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ} [الزخرف:44] ، أي: لشرف {لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:44] ، إن هذا القرآن -يا محمد- شرف لك؛ لأنه نزل عليك، وشرف لقومك كذلك؛ لأنه نزل على رجل منهم، ورفع له ذكره بأن قرن اسم النبي مع اسم الله في الشهادة، فمن يدخل الإسلام لابد أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وفي الأذان كذلك خمس مرات يومياً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وفي كل صلاة يصليها العبد يذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وذكر اسمه في الأولين وفي الآخرين، ففي يوم القيامة الشفاعة العظمى تحال إليه صلى الله عليه وسلم، ولا يفتح باب الجنة إلا لمحمد عليه الصلاة والسلام، ويقول الخازن: (بك أُمرت ألا أفتح لأحد قبلك) ، وفي الحج يذكر، وفي الصلوات يذكر، وفي كل موطن يذكر صلى الله عليه وسلم، فآتاه الله الوسيلة، وآتاه الله الفضيلة عليه الصلاة والسلام، وجُعل سيد ولد آدم، (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ، فرفع الذكر للشخص نعمة والله! خاصة الذكر الحسن، ومن ثم طلبه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء:84] .
قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5] ، فإن ابتليت بشيء -يا محمد- فاصبر فقد أذهب الله عنك هموماً كثيرة، وأعطاك من النعم ما لا يعلمه ولا يحصيه إلا هو، فإن أصابك عسر، أي: شدة وضيق وكرب، فاعلم أن مع هذا العسر يسراً، أي: فرج ومخرج وسعة وغنىً، ثم أكد هذا، {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:6] ، وكما قال قائل السلف: لن يغلب عسر يسرين، فالله أكد أن مع العسر يسرى، {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:6] فكل كرب يتبعه فرج، وكل شدة يتبعها رخاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، (وأن الفرج مع الكرب، وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرى) وكما قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [البقرة:214] ، الفقر والضر في الأبدان، {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] ، وفي الآية الأخرى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110] ، فدائماً الأمور إذا ضاقت جاء معها الفرج بإذن الله.