قال تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:2] الوزر: هو الحمل والثقل، ومنه قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل:25] ، الوزر يطلق على الذنب كهذه الآية، ويطلق على الحمل كما في قول الإسرائيليين لموسى: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه:87] ، فالوزر أصله: الحمل، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ، فالله يقول لنبيه: (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ) ، أي: حِملك.
قال تعالى: {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:3] ، (أنقض ظهرك) يعني: كأنه من ثقل الحمل على ظهرك سمع لفقار الظهر نقيض، إذا وضعت شيئاً ثقيلاً على السقف تسمع للسقف نقيض، أي: يبدأ السقف في التكسر، فكأن النبي كان يحمل أوزاراً ثقيلة، فكادت هذه الأوزار أن تكسر ظهره حتى سمع لفقار الظهر نقيض، وهذا من شدة الحمل الذي كان يحمله الرسول، فالله يمتن على نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه وضع عنه هذا الحمل الثقيل الذي كاد أن يكسر ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، وما هو هذا الحمل الذي كاد أن يكسر ظهر النبي صلى الله عليه وسلم؟ ما الحمل الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمله حتى أنقض للنبي صلى الله عليه وسلم ظهره؟ من العلماء من يقول: إن هذا الحِمل هو هم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فكان النبي يحمل هذا الحمل، ويهتم بهذا اهتماماً عظيماً صلى الله عليه وسلم، حتى كاد هذا الحمل أن يكسر له الظهر، ومنهم من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذنوباً صغيرة، ولكنها عند الأنبياء كبيرة، فكان يخشى منها خشية بالغة، فغفرها الله له، كما قال في الآية الأخرى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:2] ، وكما قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:1-3] ، فأُمر أن يستغفر، فمن العلماء من قال: إن النبي فعل صغائر، ولكنها كانت عنده بمثابة الكبائر العظيمة، فأهل الصلاح إذا صدرت منهم أشياء يسيرة فهي عندهم كبيرة كما قال الخليل: (نفسي نفسي إني كذبت ثلاث كذبات) وهذه الكذبات لا تخفى عليكم، قوله عن زوجته: هذه أختي، ويقصد أخته في الله، وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:89] عندما دعوه للخروج معهم إلى عبادة الأصنام، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ} [الأنبياء:63] ، على سبيل السخرية والاستهزاء بأهل الكفر، ومع ذلك عدها ذنوباً، ويعتذر عن الشفاعة بسببها فيقول: (إني كذبت ثلاث كذبات) وكما قال أنس رضي الله عنه، (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) أي: من المهلكات.