وهذه الآيات تفيد أن الشخص إذا سلك طريق الهداية يزيده الله سبحانه وتعالى هدىً، وإذا سلك طريق الغواية فتحت له أبواب الغواية كذلك، ففيها أن الشخص إذا التمس أسباب الخير سهلها الله عليه، وإذا التمس أسباب الشر والفساد فتحت له هذه الأبواب -والعياذ بالله-، فالشخص يقدم شيئاً من الخير ثم ييسر الله سبحانه وتعالى له أموره إذا اقترب من الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: (وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت منه ذراعاً، وإن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً) ، وفي هذا المعنى عدة آيات وعدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها تؤكد أن الشخص إذا سلك طريقاً أُعين على هذا الطريق الذي سلكه، فمثلاً رب العزة يقول: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17] ، ويقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ، وتقدم قول الله في شأن موسى عليه الصلاة والسلام: {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص:14] ، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:24] ، وقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] ، وقوله تعالى: {ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة:127] ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثيرة، يقول عليه الصلاة والسلام: (من يتصبر يصبره الله، ومن يستعف يعفه الله، ومن يستغني يغنه الله) ، وكتوضيح يسير لذلك، مثلاً: أنت إذا قمت تصلي من الليل ركعتين لله، الفرش دافئ، والزوجة بجوارك حسناء، وسمعت الصارخ قبل الفجر بساعة أو أقل أو أكثر، وتريد أن تقوم إلى الصلاة، والقيام عليك في غاية المشقة، ولكنك استعنت بالله سبحانه وتعالى، وتقويت به سبحانه، وتجافيت عن الفراش، وقمت واستعنت بالله وصليت ركعتين، فتذوق طعم هذه الطاعة، وكلما تذكرتها في النهار حمدت الله، وصدرك منشرح لها، وإذا وقعت في كربة في النهار تذكرت أنك قمت من الليل وصليت ركعتين لله، فتتوسل بهاتين الركعتين إلى الله، تأتي الليلة الثانية فتتذكر حلاوة الطاعة فيكون القيام عليك أيسر من القيام في الليلة السابقة، وإذا استمر بك شهراً على هذا المنوال يصبح قيام الليل عندك في غاية اليسر، يصبح على قلبك يسيراً خفيفاً بإذن الله سبحانه وتعالى، ييسره الله عليك غاية التيسير، فتكون عادة لك إذا سمعت الصارخ قمت تلقائياً، كأنك تقوم لعملك، وأنت متلذذ بهذه الطاعة.
جرب طاعة أخرى، صلِ الفجر في جماعة، ثم امكث في مكان صلاتك يوماً إلى طلوع الشمس، تذكر الله، وتأتي بأذكار الصباح، وتتلو ما تيسر لك من كتاب الله، في أول يوم العمل عليك شاق غاية المشقة، وفي اليوم التالي ييسر عليك العمل شيئاً ما، وبمرور الأيام -بتوفيق الله- يصبح عليك الجلوس في المصلى إلى طلوع الشمس في غاية السهولة واليسر، وإذا قلت لرجل آخر: تعال معي نجلس من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، فكأنك تسجنه سجناً، بينما يكون العمل عليك في غاية اليسر، يأتيك ضيف مثلاً، فيبيت عندك، وأنت متعود أن تصلي الفجر وتمكث في المصلى إلى طلوع الشمس، فالضيف صلى معك الفجر، ثم قلت له: أنا أريد أجلس في المصلى إلى طلوع الشمس، يصاب بهم ما بعده هم، كأنك ضربته ضرباً مبرحاً؛ لأنه سيجلس إلى طلوع الشمس!! وأنت بسلوكك لهذا الطريق، واستمرارك عليه جعله الله يسيراً عليك بإذن الله، وهو لابتعاده عن هذا الطريق جعله الله شاقاً عليه في غاية المشقة، وهكذا كل الطاعات.
صم يوم الإثنين والخميس، أول إثنين وأول خميس تصومهما في غاية المشقة، تقول: أجوع، أنا لا أصبر إذا تأخر الغداء نصف ساعة، وأعمل مشكلة مع الزوجة في البيت، فكيف أصوم الإثنين والخميس؟ لكن جرب واصبر أول أمرك، فيسهل عليك بعد ذلك هذا الصيام، ويكون لك دأباً، وتكون تلقائياً تصبح كل يوم إثنين وأنت صائم، وكل يوم خميس وأنت صائم، بدون أي مشقة، وبدون أي تعب، وبدون تكلف، وبدون إرهاق، فمن سلك طريق الطاعات يسرها الله له، وكذلك الإعطاء كما في هذه الآية: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) أعط الناس، قد يكون الإعطاء عليك في أول يوم شاق، تخرج جنيهاً من جيبك كأنك تقطع من جلدك شيئاً وأنت تتصدق به، تقول: أنا أولى، أشتري بالجنيه كيلو سكر أو أي شيء، فكأنك تقطعه من جلدك، لكن إذا استمريت على هذه الطاعات تشعر بعد ذلك بأنك تفعل الطاعات وأنت في غاية السعادة والانشراح، وتشعر أن الله يبارك لك في صحتك، وأن الله يدفع عنك بلايا كانت ستحل بك وبنيك، ترى أبناء إخوانك عند الأطباء وفي المستشفيات وأنت مبارك لك في مالك وفي ولدك، فتحمد الله وتشكر الله.
فالشاهد: أن من سلك طريق الهداية فتح الله له أبوابها، ووفقه الله لها وسهلها عليه، قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) * (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) * (فَسَنُيَسِّرُهُ) ، أي: سنهيئه ونوفقه لعمل الخير، ونهديه للطريق اليسرى السهلة السمحاء، (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى) * (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) * (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) ، وهذا الذي ييُسر للعسرى.