قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء:51-52] .
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [النساء:51] هم أهل العلم من اليهود.
قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء:51] لأهل العلم أقوال في الجبت والطاغوت، فمنهم من يقول: الجبت: الشيطان، والطاغوت: الساحر، وثمّ أقوالٌ غير ذلك.
والأصل في معنى الطاغوت هو: كل من تجاوز الحد في الطغيان، كما قال تعالى لموسى عليه السلام: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] أي: تجاوز الحد في الظلم، وقال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} [الحاقة:11] أي: زاد الماء، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} [الشمس:11] ، أي: شدة ظلمها.
وأما الشيعة أهل الرفض، وأهل الخبث والإجرام، قاتلهم الله تعالى! فيؤولون الجبت والطاغوت بـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويجعلون صلاتهم وتسليمهم البغيض المقيت لعن أميري المؤمنين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيقولون: اللهم العن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيها وابنتيهما، ويعنون: أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وهذا تفسير في غاية البطلان، فالذي قال الله فيه: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] يقولون: إنه الجبت! فكيف يتضارب كتاب الله على هذا النحو عندهم.
وأسقط من ذلك تفاسيرهم تفسيرهم البقرة التي أُمر قوم موسى بذبحها أنها عائشة، وهذا من عمى البصائر، فأين عائشة رضي الله عنها من زمن موسى صلى الله عليه وسلم؟! فالطاغوت: كل من تجاوز الحد في الظلم، شيطاناً كان أو ساحراً أو كاهناً أو حاكماً بغير ما أنزل الله أو رجلاً جباراً ظالماً قاتلاً للنفس، فكل ذلك محتمل وداخلٌ في الآية.
ومن العلماء من قال: إنه كعب بن الأشراف؛ لأنه كان طاغوتاً مطاعاً في اليهود.
قال تعالى: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء:51] .
قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء:51] أي: من أهل مكة: {هَؤُلاءِ} [النساء:51] أي: أهل مكة {أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء:51] .
وقد ورد في أسانيد ينظر فيها أن أبا سفيان وبعض وجهاء مكة قالوا: نذهب إلى أهل الكتاب نسألهم عن محمد وشأن محمد، فإن هؤلاء أهل كتاب أعلم به منا، فذهبوا إلى كعب بن الأشرف وغيره من وجهاء اليهود فسألوهم: يا معشر يهود! أنحن على حق وخير أم محمد هو الذي على الحق والخير؟ فقالت اليهود: أنتم -يا معشر قريش- أهدى من محمد وأصحاب محمد وأفضل طريقة، فأنتم تسقون الحجيج، وهم يقطعون الأرحام -بزعمهم-، إلى غير ذلك من الأساليب التي سلكها اليهود لإغواء الناس {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء:51] .
قال تعالى: {أُوْلَئِكَ} [النساء:52] أي: هؤلاء اليهود {الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [النساء:52] ، ضلّال على علم، فقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [النساء:52] يدل على أن اليهود كما أنهم مغضوب عليهم، فهم ملعونون، وتفسير الرسول عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] بأن (غير المغضوب عليهم) هم اليهود، و (الضالين) النصارى؛ ليس معناه أن النصارى غير مغضوبٍ عليهم، بل هم كذلك مغضوب عليهم، وليس معناه أن اليهود غير ضالين، بل هم ضالون أيضاً، ولكنهم اختصوا بمزيد من غضب الله تعالى واللعنة عليهم جميعاً.
ومعنى: (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أي: طردهم الله من رحمته، {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء:52] .
قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} [النساء:53] أي: هل لهم تدخلٌ في ملك الله أو في إعطاء الملك من أحد ونزعه من أحد؟ {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء:53] .
والنقير كما قال بعض العلماء: النقطة الصغيرة التي تكون على ظهر النواة.