قال تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] .
(نيسرك) أي: سنهيئك، (لليسرى) : لعمل الخير، فالشخص قد ييسر لليسرى، وقد ييسر للعسرى.
يعني: قد يسهل لعمل الخير، فيكون عمل الخير خفيفاً على قلبه في غاية الخفة بصفة عامة، وقد يسهل لعمل الشقاوة، فيكون عمل الخير عليه من أثقل ما يكون، فالله سبحانه قد يشرح صدر العبد لعمل الخير، وقد يشرح صدره للكفر والعياذ بالله، فقوله تعالى: (وَنُيَسِّرُكَ) أي: سنهيئك -يا محمد- ونسهل عليك عمل الخير، فيقوم إلى صلاة الليل -مثلاً- وهو منشرح الصدر فرحاً بالقيام لصلاة الليل، وفرق بين شخص قام إليها فرح، وشخص إذا ضربته بالسياط لا يقوم، والتيسير لليسرى ليس في الصلاة فحسب، بل في كل أبوب الخير، شخص يخرج من جيبه الجنية أو العشرة جنيهات يتصدق بها وهو في غاية السعادة، وشخص إذا جاء ليخرج عشرة قروش صدقة مع أنه ينفق مئات وآلاف الأموال في الباطل، لكن عشرة قروش لله ثقيلة عليه، وكأنه سيموت إذا خرجت منه هذه العشرة قروش!! فالأول ميسر لليسرى، والثاني ميسر للعسرى، وكشخص تقول له: صم تطوعاً، فيبادر ويسعد غاية السعادة؛ لأنه صائم، وشخص يأتي عليه رمضان وهو في أشد الكره لرمضان.
التيسير لليسرى من نعم الله سبحانه وتعالى على العبد، وكما قال الله في شأن الصلاة: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] ، على قول من قال: إن الضمير يرجع إلى الصلاة، ومنهم من قال: إنه راجع إلى الاستعانة بالصبر والصلاة معاً.
قال سبحانه وتعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} أي: نسهلك لعمل الخير، ومن العلماء من قال: سنجعل شريعتك سمحاء سهلة، (فالأيسر) الأسهل.
أي: يا محمد! شريعتك سمحاء سهلة، ليس فيها التشديد، وليس فيها الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، وقد قال النبي: (بعثت بالحنيفية السمحة) ، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] .
ومن أسباب التيسير لليسرى: دعاء الله عز وجل، ومن ذلك: دعوة موسى عليه السلام {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:25-26] .
قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5-7] فإذا جاهدت نفسك وأخرجت مالاً لله، راجياً ثواب الله، فالله يهيئ لك عمل الخير، فالخير يفتح باباً آخر للخير، وقد تمشي وتجد -مثلاً- طوبة في الطريق أو حجراً، فتقول: أرفع الحجر؛ لأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ويحضرك حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) ، فتقول: أنا أمطت الأذى فآخذ أيضاً بأعلاها: "لا إله إلا الله"، فباب خير يجرك إلى باب آخر من الخير، وهكذا